تأثيره الفضيحةعلي الفرد والمجتمع
بقلم..الدكتور عادل عامر
تأثيره الفضيحةعلي الفرد والمجتمع
تعد الفضيحة أمر سهل وحيد بالنسبة لناونحن مهووسون بالفضيحة حد الخالعة«، فعند كتابتك لكلمة »فضيحة« على محركات البحث ومواقع
التواصل االجتماعي مرورا بمدى تقدمه برامج القنوات الفضائية، ترى نتائج ال حصر لها من مقاطع
فيديو وأخبار وكتابات في شتى المجاالت السياسية واالقتصادية والدينية والطائفية وفي الشؤون
الرياضية أيضا، فساحة الفضيحة في أيامنا الحالية أصبحت أسلوب حياة للقضاء على الخصم وضرب
جبهته وللشوشرة عليه ولو بصورة مؤقتة
انتشرت في فضاء التواصل االجتماعي، على نطاق واسع، ظاهرة تسمى ”فضائح جنسية“. وال تعني
الظاهرة انحراف مرتكبيها بقدر ما تؤشر على أن المجتمع مصاب بهوس جنسي وعطب سلوكي
يجعالنه يستغرق في تتبع هذه الفضائح وكشفها وتداولها والتنكيل بأصحابها واغتيالهم معنويا في شكل
من أشكال التشفي والعدوانية والقسوة التي ال تدل على سويّة نفسية أو اجتماعية، والتي تكشف أن
الفاضحين يعانون من أزمات ذاتية واجتماعية مركبة.
إن كان الخبر غير صحيح، وهناك من ينتهجها من باب التفاهة إلثارة شغف الجمهور بالدخول على
الرابط الخاص للخبر وتسجيل أعلى نسبة مشاهدة، في السابق كان يلجأ صاحب المشكلة أو األزمة لذوي
الحكمة الستشارتهم في كيفية التعامل مع الخصم بشرف ونزاهة دون المساس بسمعته أو سمعة عائلته،
وأكثر من يتورط في سرعة انتشار فضائحهم المشاهير فهذه تعد ضريبة الشهرة.
إن استخدام منهج الفضيحة في أيامنا الحالية في ازدياد، معللة بذلك تغير القيم التي تربينا عليها عن
اآلن، فنسبة الكالم زادت بسبب برامج التواصل االجتماعي فهي تغذي نقل الفضيحة، وهناك جرائد تقوم
على الفضيحة.
وتغير في معايير القيم واألخالق، في السابق كان تداول الفضيحة لشخصية مشهورة يكون على نطاق
ضيق، وحاليا، في ظل الوسائل االجتماعية، صارت اعلى والناس يبحثون عنها، لذلك علينا الرجوع إلى
القيم الدينية التي ترقي من مستوى األخالق، فقد وصانا سيدنا محمد عليه أفضل الصالة والسالم بقوله:
»من ستر مسلما في الدنيا ستره هللا يوم القيامة«،
أنا ضد الفضيحة وتناقلها بين الناس، ولكن يبقى لها جانب إيجابي، فهناك أناس تكون قصص الفضيحة
والتشهير رادعا لهم فيبتعدون عنها، وهناك من ال يجد حيلة ألخذ حقه غير اتباع هذا األسلوب ومنها
قضية الفنانة زينة وأحمد عز، فهي رخيصة، لكنها تأتي بنتيجة تعتبر وسيلة للضغط من باب »الغاية
تبرر الوسيلة.«
أن كثيرين ينجذبون لسماع الفضائح بدافع الفضول وحب االكتشاف، وهناك كثيرون يعتقدون أن
معرفتهم لمثل هذه األخبار تجعلهم ملمين بكل ما يدور حولهم من أمور، فهم يتسابقون نحو ما هو جديد
على الساحة، ويرجع ذلك بالطبع إلى طبيعة الفرد ونمط شخصيته، فأكثر من يعشقون ذلك هم أشخاص
ينقصهم الكثير من االتزان النفسي، ال شك أن من يلجأ إلى اتباع أسلوب الفضيحة نحو اآلخرين يكون
هناك عداء سابق، من خالل بث هذه الفضيحة تتم تصفية الكثير من الحسابات واألحقاد والمشاكل العالقة
بين الطرفين، ومن المؤكد أنه أسلوب خاطئ وخطير على كال الطرفين فهو شرارة حارقة للمجتمع، وال
شك أنه أسلوب دنيء ينم عن رعونة صاحبه وجهله بالكثير من مقومات الشخصية المتزنة واألخالق
النزيهة، هو في النهاية نقص في التحكم في ضبط االنفعاالت وانعدام للحكمة، واألهم من ذلك كله
وضوح شديد في نقص الوازع الديني والبعد عن تعاليم الدين.
إن الذكورية واألبوية بنى اجتماعية ومبان ثقافية ال يمكن إحداث التغيير بتلك السهولة المتوقعة، هذه
البنى قائمة منذ مئات آالف السنين، مع تغيرات في بعض المجتمعات أحدثتها فاعليّة القوانين، بالتالي
يلقى الجاني العقاب في النهاية، بينما في المجتمعات التي تسيطر فيها القيم القبلية على الدولة، فإن
الضحية عادة هي الخاسر في األخير.
إذا كان الجنس غريزة بشرية طبيعية، وحاجة إنسانية أساسية مثل األكل والشرب، فإن ممارسته خارج
إطار الزواج ال تدين الفرد في ذاته، فهو خيار شخصي محصن بالخصوصية بغض النظر عن موقفنا
منه. وإذا كان في أي عالقة جنسية ما يدين أحد طرفيها فيفترض أن يكون متصال بقرائن أخرى
كالخيانة أو االعتداء أو االستغالل وليس بالجنس نفسه.
وحين يتم استعمال قضية شديدة الخصوصية مثل الجنس لتدمير إنسان وأسرته عبر فضحه والتشهير به،
فإننا نكون إزاء اختالل عميق في البنى الثقافية والقيمية للمجتمع يعكس بدوره هشاشة حضارية واهتراء
اجتماعيا.
ليست الفضيحة الفردية هي التي تتسبب في خدش حياء المجتمع؛ ولكن النزعة الفضائحية المجتمعية هي
التي تنتهك الحياء الخاص والعام، وتشيع الخوف والقلق وانعدام الثقة وتقّوض األمن الشخصي واألسري
واالجتماعي، وتصادر حق األفراد في الخصوصية، وتنتهك حق المجتمع في أن تصان خصوصية
أفراده بما ينعكس على أمنه وسلمه االجتماعي.
إن الخصوصية باعتبارها حق الفرد في حفظ حياته الخاصة من تطفل اآلخرين، هي مفهوم بثالثة أبعاد:
األول دفاعي؛ وعي الشخص بخصوصيته وقدرته على منع اآلخرين من االطالع على أسراره وشؤونه
الشخصية، أما الثاني فوقائي تضامني ويعني احترام أفراد المجتمع لحق كل فرد في التمتع بخصوصية
مصانة، ويعتبر البعد الثالث حمائيا عالجيا وهو يتج ّسد في حق الفرد والمجتمع في أن تكون الدولة معنية
بحماية قيمة الخصوصية في المجتمع، ور ّد االعتبار لألفراد الذين تنتهك حقوقهم في الخصوصية.
الفضائحية الجنسية في مجتمعاتنا، دليل عن عدم إشباع جنسي حقيقي وهو يضغط على الفرد ويحرمه
من إشباع حاجاته اإلنسانية طبيعيا وبذلك تكون الخصوصية مفهوما ثقافيا وقانونيا ورأس مال اجتماعي
ومسؤولية اجتماعية ومدنية يكّرس االلتزام بها األمان الفردي واألسري والسلم األهلي والتماسك
االجتماعي.
إن أفعال الفرد وممارساته الجنسية التي نعتبرها ”شاذة“ ليست ما يسيء إلى المجتمع وقيمه وتقاليده؛
ولكن السعار الجنسي السائد في المجتمع هو الذي يلعب دورا تحريضيا وإيحائيا في دفع األفراد إلى
التورط في سلوكيات جنسية ت صنّف على أنها ”منحرفة“ ثم ننخرط في حمى التنكيل بهم واإلساءة إليهم
وإعدامهم اعتباريا واجتماعيا بحجة أنهم يهددون اآلداب العامة أو ينتهكون المبادئ األخالقية. ويعترف
مراقبون بأن انحرافات األفراد هي بضاعة المجتمع ر ّدت إليه، وأن الفضائح الفردية هي انعكاس
للفضائحية الف ّجة السائدة في السياسة واإلعالم والخطاب الديني. وبالمناسبة، فإن النزعة االجتماعية
المحافِظة المبالغ فيها تسهم في تحويل الكثير من التصرفات التي ت عتبر في ذاتها أو في مجتمعات أخرى
طبيعية وعادية إلى فضائح وجرائم أخالقية في مجتمعاتنا.
والمشكلة في وعينا المحافِظ أنه ال يتعامل مع المحافَظة السلوكية والتم ّسك بالعادات واآلداب كخيار
شخصي أو أسري؛ ولكنه يسبغ عليها طابعا وصائيا ويجعلها سوطا مسلطا على ظهور اآلخرين،
فين ّصب كل واحد منا نفسه وصيا على القيم وحاميا لألخالق وسالمة آداب المجتمع ومسؤوال عن
حراسة الفضيلة الجمعية، كما يمنح نفسه حق محاسبة اآلخرين على أفعالهم وإصدار األحكام عليهم
بالوصم واإلقصاء واالستباحة والعزل واالستبعاد.
وتعتبر جرائم الشرف وغسل العار انعكاسا لهذه النزعات الثالث: النزعة المحافِظة المتطرفة التي تجمع
بين االنغالق التقــاليدي الذكوري والعقــلية الدينية األصولية التحريمية، والنزعة الوصائية األخالقوية
التي ت دجج أصحابها بالحق في مالحقة اآلخرين ومساءلتهم عن تصرفاتهم، والنزعة الفضائحية المدّمرة
التي تالحق الضحايا بعد إدانتهم بالخروج على النظام االجتماعي.
ولهذه النزعة الفضائحية دور في دفع أفراد في المجتمع إلى االنتحار المباشر أو عبر المشاركة في
أعمال إرهابية، إذ يرى باحثون أن محاولة غسل العار الشخصي والتخلص من مشاعر اإلثم واالنكسار
والفضيحة قد تدفع بعض الشباب إلى االستجابة لدعاية الجماعات الجهادية واإلقدام على تنفيذ عمليات
انتحارية في محاولة للتط ّهر من تاريخهم الجنسي المدان من وجهة نظر الدين والمجتمع، وسعيا للتكفير
عن خطايا االستغراق في الملذات المحرمة والعالقات الجنسية غير المشروعة. تكون الفضيحة فضيحة
ألن المجتمع يريد لها أن تكون فضيحة. ويمارس الخطاب الغوغائي في مواقع التواصل االجتماعي
دورا كبيرا في تحويل الخصوصيات الشخصية إلى فضائح واستباحة كرامة وسمعة أصحابها.
ويبقى الصوت الغوغائي هو األعلى ألن الظاهرة الغوغائية مرعيّة أوال من القوى السياسية التحاصصية
التي تستثمر في الهشاشة واالنفعالية وتحتاج الغوغائية في التحشيد الطائفي واالنتخابي.
والغوغائية محت َضنة من النخب الدينية التي تعّول عليها في إسناد مشروع الظالمية األصولية في
المجتمع فهي الرافعة الرئيسة للفكر الديني والمذهبي األصولي، ويتم التماهي مع هذه الظاهرة إعالميا
ألن وسائل اإلعالم تعتمد بصورة أساسية على النزعة الغوغائية في أوساط المتلقين والتي تصنع لها
الهالة والصخب في المجتمع.