الدكرورى يكتب السيدة خديجة بنت خويلد ” جزء 3″
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع السيدة خديجة بنت خويلد، وقد كان أول ما يبرز من ملامح السيدة خديجة رضى الله عنها، هى الشخصيه العظيمه، وبها صفتي العفة والطهارة، وهاتان الصفتان التي قلما تسمع عن مثلهما في بيئة لا تعرف حراما ولا حلالا، وفي بيئة تفشت فيها الفاحشة حتى كان البغايا يضعن شارات حمراء تنبئ بمكانهن، وفي ذات هذه البيئة، ومن بين نسائها انتزعت هذه المرأة العظيمة هذا اللقب الشريف، ولقبت بالطاهرة، كما لقب النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أيضا في ذات البيئة بالصادق الأمين، ولو كان لهذه الألقاب انتشار في هذا المجتمع آنذاك، لما كان لذكرها ونسبتها لأشخاص بعينهم أهمية تذكر.
وتلك هي السمة الثانية التي تميز بها شخص السيدة خديجة رضي الله عنها، فكل المصادر التي تكلمت عن السيدة خديجة رضي الله عنها، قد وصفتها بالحزم والعقل، كيف لا وقد تجلت مظاهر حكمتها وعقلانيتها منذ أن استعانت به صلى الله عليه وسلم، في أمور تجارتها، وكانت قد عرفت عنه الصدق والأمانة، ثم كان ما جاء في أبلغ صور الحكمة، وذلك حينما فكرت في الزواج منه صلى الله عليه وسلم،، بل وحينما عرضت الزواج عليه في صورة تحفظ ماء الوجه، إذ أرسلت السيدة نفيسة بنت منية دسيسا عليه بعد أن رجع من الشام، ليظهر وكأنه هو الذي أرادها وطلب منها أن يتزوجها.
ونرى منها بعد زواجها كمال الحكمة وكمال رجاحة العقل، فها هي تستقبل أمر الوحي الأول بعقلانية قل أن نجدها في مثل هذه الأحوال بالذات، فقد رفضت أن تفسر الأمر بخزعبلات أو أوهام، بل استنتجت بعقليتها الفذة وحكمتها التي ناطحت السحاب يوم ذاك أن الله لن يخزيه، ثم أخذته إلى ورقة بن نوفل ليدركا الأمر، وهذه طريقة عقلانية منطقية بدأت بالمقدمات وانتهت بالنتائج المترتبة على هذه المقدمات، فيا لها من عاقلة، ويا لها من حكيمة، وقد عُرف النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، بأفضل الاخلاق وأكرمها، وحين علمت السيدة خديجة رضي الله عنها، بصدقه وأمانته وفطنته.
فقد أرسلت إليه وعرضت عليه خروجه للتجارة بمالها، على أن تعطيه أفضل مما تعطي غيره، فقبل النبي صلى الله عليه وسلم، وخرج تاجرا بمالها، وحين عودتهم من رحلة التجارة أخبرها غلامها بما رأى من الرسول من كرم الأخلاق وحُسنها، كما أنها رأت أمانة وبركة في أموالها لم ترها من قبل، فأدركت أنه الزوج المناسب لها، وأخبرت صديقتها نفيسة بنت منيّة بما وقع في نفسها تجاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فذهبت نفيسة إلى الرسول صلى الله عليه وسلم، تعرض عليه الزواج من خديجة، فقَبل، وأخبر أعمامه بالأمر، وتقدموا بخطبة خديجة له من عمّها.
وتم العقد بينهما بحضور بني هاشم ورؤساء مضر، وكان ذلك بعد رحلة التجارة إلى الشام بشهرين، وكانت السيدة خديجة قد بلغت من العمر أربعين سنة، وبذلك كانت أول امرأة تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتزوج عليها امرأة أخرى إلى أن توفيت، وقد أنجبت السيدة خديجة من النبي صلى الله عليه وسلم، ولده القاسم، وقد كني به، وعبد الله، الملقب بالطيب الطاهر، وقد توفيا صغارا قبل الاسلام، ومن البنات زينب، ورقية، وفاطمة، وأم كلثوم، وقد أدركن الاسلام، فأسلمن، وهاجرن مع النبي صلى الله عليه وسلم، وتوفين قبل وفاته، إلا فاطمة، فقد توفيت بعده بستة أشهر.
وكانت السيدة خديجة رضي الله عنها، أم المؤمنين، والزوجة الصالحة الكريمة، فحظيت بوصف الله تعالى، لها ولغيرها من زوجات النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، في كتابه بأمهات المؤمنين، فقال تعالى “النبى أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم” وقد سكنت مع النبي صلى الله عليه وسلم، في مكة المكرمة، في بيت متواضع كسائر البيوت، ولم يتميز عن غيره، وسعت لتهيئة الراحة والسعادة للنبي صلى الله عليه وسلم،، ولم تكلف خدما للقيام بأمورهما، بل كانت تخدمه بكل سعادة ورضى، ورُوي أنها لم تخرج عن أمره قط، ولم تخالف كلمته.