ثمانية عـشر عـام
بقلم / محموددرويش
ثمانية عـشر عـام
مُنذ اللحظَة التي برزَت فيها عـدالة السماء لتمنح القَـروي البسيط إيـذانًا لحَمل حقائبه والإتجاه صَـوب الجزيرة معقل الشياطين الحُمر حيثُ كـانَ على مـوعدٍ مع تسطير تاريخٍ اكتسبَ أبعادًا تخطت الأرقام والإحـصاء.
مُحمّد المُستحِق لكُل آيـات الحمد والثَناء ، والذي يستطيع دخول القـلوب دونما استئذان كـانَ مُختلفًا عن الجميع منذُ بزوغ نجمه الأول.
متواضِع لدرجة تُعيكَ من فَرط الاندهاش، ابتسامته تَكفي لإحداث انفراجة مـا بينَ شفتيك، وبسطة في قلبك، يُقال أنّ الصالحين يبسطونَ مشعّات الأمل فيمن حَولهم، ونحسبُ صديقنا منهم.
تفاصيل أبو تريكة مُتوطنة بداخلنا، كـانَ مثاليًا في دُنيا لا تعترِف إلا بالمصالح، لا أنسى اصطفاف الجماهير بجوار مـنزله، لاقناعه بعدَم الرحيل لأهلي دُبي ورَفض العَرض الأسطوري آنذاك، شعُرت وقتها برهبةٍ شَديدة، تريكة كـانَ أكثر من مُجرّد لاعب، هو الحال عندما تَستعصي الحلول.
كُنت أشعُـر أنّ الله سيمنحنا الانتصار لأنّ بركة أبو تريكة تكفي بترجيح كـفّة الأهلي حـتى في أسوأ عروضه.
أتذكّر أوج تألقه، كُما نقلد مشيته، نتمنّى تقوسّـًا كذاكَ الذي بقدميه، نتدرّب في الشوارع والنوادي على تمريرة الوجه الخارجي لقدمه التي أسرَت القارة سحرًا وعـزفًا سلفًا.
ورفضه خوض السوبر، بكاؤه الشديد في مجزرة بورسعيد اللعينة، مواقفه الانسانيّة التي تداولها المُحبون وعشقها المُقربون.
هروبنا من المدارس صباحًا، لمُطالعة نسر الأهلي يُخيم فوقَ التوماهوك في بلاد اليابان، لـعل فاول أبو تريكة المَلحمي يأتي بالحَل، ولم يبخل علينا بالحلول يومًا، فيفرد ذراعيه وتنطلق مروحته الشهيرة لتُعلن أنّ الأحلام تستطيع بلوغ السماء.
يساريته في رادس أحيَت البطولة وهي أطوار الموت الاكلينيكي، والغريم القاهري عانى منه حـتى باتَ مُثيرًا للشفقة.
تريكة أحببناه، وقلوب المُحبين عمياء لا أمل في إبصارها، نُحبه ونُحب كُل ما يتعلق به، حـتّى نوادره تضحك عليها بشدّة لأننا نسمع بالقلب ونرى بالقلب وأبو تريكة لم يخرُج يومًا من ذاكَ القلب!