الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 1”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 1”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 1”

إن الجهاد فى سبيل الله عز وجل عبادة، وإنه من أرقى أنواع العبادات في الإسلام، ومن أعلاها منزلةً ومكانةً، فمن الناس من يظن أن العبادة هي الصلاة والصوم والزكاة والحج ونحو ذلك من شعائر وحسب، ولا ينظرون إلى العبادة بمفهومها الشامل الواسع الذي يضم كل صغيرة وكبيرة في الحياة، وإن مع أهمية الجهاد، وأهمية احتياج الأمة إليه للذود عن أراضيها وحرماته، ولرد الظلم ودفعه، إلا أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يتعامل مع المجاهدين والأمة بصفة عامة بشيء عظيم من الرحمة، فيقدر ظروفهم ويخفف عنهم ويرحمهم ويرفق بهم، مع أن الموقف قد يكون حرجا لدرجة لا تسمح برفق أو رحمة، ومن أجمل ما نجده في حياته صلى الله عليه وسلم، متعلقا بهذه الجزئية هو عدم خروجه بنفسه صلى الله عليه وسلم في كل المعارك الإسلامية.

وإن المشركين هم أكثر من آذى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والمسلمين، بل إنهم لم يكتفوا بالإيذاء فطردوا المسلمين من مكة التي هي وطنهم الذي وُلِدوا وتربوا فيه، واستولوا على ممتلكاتهم من الأموال والبيوت، ومع هذا كله لم يفكر الرسول صلى الله عليه وسلم طوال إقامته في مكة أن يعتدي على أحد من المشركين مع ما كان له من عزة ومنعة، فهو صلى الله عليه وسلم، من أرقى عائلة في مكة، ومن أعز بطون قريش، وصاحب النسب والشرف، إلا أن له رسالة سامية يريد أن يؤديها، فكان صلى الله عليه وسلم يتحمل الإيذاء إلى أبعد الحدود، ويحث أصحابه على الصبر، وعدم مقابلة السيئة بمثلها، إلا أن قريشا تمادت في غيّها وضلالها وكبريائها فكان لابد من وقفات حازمة ترد للمسلمين بعض حقوقهم المسلوبة وأموالهم المنهوبة.

وإن أهل مكة الكافرون هم الذين بدءوا بإيقاع الظلم على المسلمين، ولم يكن الظلم ظلما واحدا، بل كان ظلما متعددا مُركبا، فظلم في الجسد بالتعذيب والحرق والإغراق والقتل أحيانا، وظلم في المال بمصادرته بدون وجه حق واغتصابه بالقوة, وظلم في الديار بالطرد منها وأخذها، بل بيعها وأكل ثمنها, وظلم في النفس والسمعة بالسب والقذف وتشويه السمعة، وظلم في الحرية بالحبس والعزل عن المجتمع، وأما عن غزوة دومة الجندل فهي إحدى غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، السبع والعشرين التي خاضها طيلة حياته وذلك بعد الهجرة إلى المدينة المنورة وبعد أن أذن الله تعالى لعباده المسلمين بمبادرة العدو بالقتال ليُتاح للإسلام بالانتشار دون عوائق وعقبات من المشركين والكافرين، فقال الله تعالى في كتابه العزيز.

“أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير” وكانت أسباب غزوة دومة الجندل وهو أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بلغه خبر عن تلك المنطقة، ومضمون الخبر أن هناك قوما يقطنون في منطقة دومة الجندل يظلمون كل من مر بهم ويقطعون الطريق على الناس، وأنهم يحاولون أن يقتربوا من المدينة المنورة حتى يباغتوا المسلمين ويهاجموا المدينة المنورة ويقطعوا الطريق على المسلمين، لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يكن ليتركهم يفسدون في الأرض ويظلمون الناس فكانت على إثر تلك الأخبار غزوة دومة الجندل، وقد وقعت غزوة دومة الجندل بعد غزوة بدر الآخرة وقبل غزوة بني المصطلق، وكان ذلك في شهر ربيع الأول فى السنة الخامسة من الهجرة النبوية المشرفة، حيث تحركت القوات الإسلامية.

بقيادة رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحو قبيلة قضاعة التي كانت تنزل شمال قبائل أسد وغطفان، في حدود قبائل الغساسنة الموالين للدولة الرومية وهى بيزنطة، والمشرفة على سوق دُومة الجندل الشهير، والغساسنة هم سلالة عربية وقد أسست مملكة في الشام ضمن حدود الإمبراطورية البيزنطية في فترة ما قبل الإسلام، وقد أسس المملكة العربية أحفاد قبيلة أزد من اليمن والذين هاجروا في أوائل القرن الثالث الميلادي إلى بلاد الشام، حيث اندمج بعضهم مع المجتمعات المسيحية المُتهلينة، وقد تحولوا إلى الديانة المسيحية في العقود الأولى من القرون الميلاديَّة بينما كان البعض الآخر من المسيحيين وذلك قبل الهجرة إلى الشمال للهروب من الاضطهاد الديني، وكان بعد استقرارهم في بلاد الشام.