الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 4”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 4”

بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة دُومة الجندل “جزء 4”

ونكمل الجزء الرابع مع الرسول في غزوة دُومة الجندل، وحينها عرض عليه النبي صلي الله عليه وسلم، أن يدخل في الدين الإسلامي، فوافق الأسير ودخل الإسلام، وأقام مع المسلمين أياما وبث السرايا، ثم قرر المسلمون العودة إلى المدينة المنورة، وأبان عودة المسلمين استودع الرسول صلي الله عليه وسلم، عيينة بن حصن الفزاري، والذي استأذن الرسول صلي الله عليه وسلم، أن يرعى غنمه وإبله في أرض تقع بالقرب من المدينة المنورة، حيث تقع تلك الأرض على بُعد ستة وثلاثين ميلا من المدينة المنورة، وعاد المسلمون إلى المدينة بعد هذه الغزوة الصامتة، وقد مثلت غزوة دومة الجندل درسا تربويا قويا، حيث تدرب فيها المسلمون على العديد من الأشياء الصعبة، ومنها المسير إلى مسافات طويلة، وكأنهم يعدون أنفسهم لغزوات قادمة.

وانتهت المعركة التي لم تبدأ بسبب خوف المشركين، فعاد المسلمون مرفوعي الرأس شديدي الهيبة، لا بد لهذا الجيل أن يتربى على الطاعة والانضباط للأمير أيا كان شأن هذا الأمير، وهذا يدل على عظمة المنهج النبوي الشريف في تربية الأمة والارتقاء بها، وعلى عظمة قيادة النبي صلى الله عليه وسلم وفراسته في أتباعه وثقته فيهم ومعرفته لمواهبهم، فهو صلى الله عليه وسلم على معرفة بكفاءة سباع بن عرفطة الغفاري وعبقريته وقدرته على الإدارة الحازمة، فكان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه وهو غائب عن المدينة، لكي يهيمن منهج رب العالمين على المسلمين، ويصنع منها أمة واحدة تسمع وتطيع لكتاب ربها وسنة نبيها، وإذ ما كان لقائد عسكري ذي أهداف دنيوية، أن يغامر تلك المغامرة بالابتعاد عن بلده.

مسافة بعيدة جدا، تاركا مدينته وأهله ومُلكه معرضين لاحتمالات الأذى ممَن يترصدها من المنافقين والأعراب والمشركين واليهود، وفي حراسة شخص ليس من زعماء المدينة، ولا من كبار المهاجرين، فضلا عن كونه من بني غفار، ولقد كان خلال السنين الخمس التي قضاها المسلمون في المدينة المنورة، تحققت العديد من النتائج المهمة، فقد تحدّدت معالم دولتهم الناشئة وتأسّست أركانها، وقد ظلت حركة الدعوة والتوجيه مستمرة بين القبائل طوال تلك المدة، في الوقت الذي أثبت المسلمون فيه كفاءتهم الحربية وقدراتهم العسكرية من خلال المعارك التي دارت بينهم وبين المشركين، حتى استطاعوا فرض سيطرتهم على المناطق المحيطة بهم، وكان في شهر ربيع الأول من السنة الخامسة للهجرة، وصلت الأخبار إلى المدينة.

بتجمع القبائل في تلك المنطقة، واستعدادهم لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم والقضاء على دولته، وهنا أحس النبي صلى الله عليه وسلم، ببوادر فتنة جديدة، فكان لابد من إطفائها من البداية قبل أن يعظم خطرها، فنادى رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس ، وحرّضهم على القتال في سبيل الله، مذكرا إياهم بما أعده الله تعالى للمؤمنين، فتجهزوا للغزو، حتى بلغ عددهم ألف مقاتل، وعيّن على المدينة رجلا لم يكن من أهلها، وهو سباع بن عرفطة الغفاري رضي الله عنه، وذلك لمعرفته صلى الله عليه وسلم، بكفاءته وقدرته على إدارة الأمور، ولتربية الصحابة على السمع والطاعة للأمير أياً كان شأنه ونسبه، وقد تحرك الجيش قاصدا دومة الجندل.

ومستعينا بدليل ماهر يُقال له مذكور، وطلب منه النبي صلى الله عليه وسلم، اختيار أسلم الطرق وأبعدها عن مراقبة العدو، وتبدو عظمة القيادة النبوية الشريفة في أمر النبي صلى الله عليه وسلم، للجيش بالمسير طوال الليل، والتوقف في النهار، من أجل مفاجأة الأعداء وهم على حين غفلة، وقد فوجيء المشركون بخبر وصول المسلمين، وكان وقعه شديدا عليهم، فلم يكونوا يتصورون أن يبادرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالقدوم في الوقت الذي كانوا يخططون فيه لمهاجمة المدينة واستباحتها، فأصابهم الخوف الشديد، وبلغت قواهم المعنوية أدنى مستوى، مما دفعهم إلى الهروب تاركين وراءهم ديارهم وأمتعتهم، ولم يجد المسلمون فيها أحدا سوى عدد قليل من الرعاة مع ماشيتهم، فأصابوها غنيمة سهلة.