الدكروى يكتب عن الرسول في غزوة بنى قينقاع “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى قينقاع “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع الرسول في غزوة بنى قينقاع، وفي شمال المدينة المنورة يقع تجمع ضخم لليهود هو تجمع خيبر، وقد أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم، معاهدة مع اليهود، وقد حاولوا مرارا وتكرارا أن يخالفوا هذه المعاهدات، وأن ينقضوا الميثاق، وتحدثوا كثيرا بالسوء، ليس فقط عن الصحابة الكرام، وليس فقط عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل عن رب العالمين وتطاولوا كثيرا في هذه الكلمات، لكن الرسول صلى الله عليه وسلم، كان يضبط النفس، ويتحكم قدر المستطاع في أن يمنع الصحابة الكرام من الصدام المباشر مع اليهود، لأن الوضع في المدينة المنورة لم يكن مستقرا، ولكن بعد انتصار الرسول صلى الله عليه وسلم، والمسلمين في بدر، رجع صلى الله عليه وسلم وهو يرفع رأسه بعزة وقوة وبأس، ومما لا شك فيه.
أن ذلك أرهب معظم الجزيرة العربية، لكن رد فعل اليهود كان غريبا، فعندما دخل الرسول صلى الله عليه وسلم، المدينة، جمع يهود بني قينقاع وحذرهم من مغبة الطغيان والمخالفة المستمرة التي كانوا عليها، وقال لهم صلى الله عليه وسلم ” يا معشر يهود، أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشا ” وهو صلى الله عليه وسلم، بذلك لا يكرههم على الإسلام أو على الإيمان، لكنه صلى الله عليه وسلم، يوضح لهم أن قريشا لما ظاهرت على أمر الله أذلها الله تعالى، وهذا الأمر له بوادر كثيرة عند اليهود، فهم دائما يخالفون ويسيئون الأدب مع الأنبياء، بل ومع رب العالمين، ولكن رد فعل بني قينقاع كان عنيفا للغاية، وكان هناك إعلان واضح وصريح من اليهود بالحرب، ومخالفة صريحة وواضحة لبنود المعاهدة التي تنص على وقف الحرب بين الطائفتين.
بل وتجعل من الواجب على اليهود أن يناصروا المسلمين في حربهم ضد من يغزو المدينة المنورة، سواء من قريش أو من غيرها، فهذه بدايات انشقاقات كبيرة داخل المدينة المنورة، ويصرّحون بأنهم على استعداد لحرب الرسول صلى الله عليه وسلم، ويهددونه ويتوعدونه بذلك، وقد وضح ذلك كله مع مواقف اليهود خلال السنتين السابقتين لهذا الموقف من التكذيب المستمر، والادعاء بالباطل على المسلمين وعلى آيات الله تعالى وكلام النبى صلى الله عليه وسلم، فلما قال يهود بني قينقاع هذا الكلام، فقد أنزل الله تعالى فى كتابة الكريم آيات بينات توضح العلاقة بين المسلمين واليهود خلال الفترة القادمة، فقال الله تعالى فى سورة آل عمران ” قل للذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنم وبئس المهاد” وقد نزلت هذه الآيات في بني قينقاع.
وهى فى سورة آل عمران ” قد كان لكم آية فى فئتين التقتا فئة تقاتل فى سبيل الله وأخرى كافرة يرونهم مثليهم رأى العين والله يؤيد بنصره من يشاء إن فى ذلك لعبرة لأولى الأبصار” ولأن بصائر اليهود مطموسة تماما، لم يفقهوا هذه الآيات ولم يهتموا بها، فكان هذا هو الموقف بين اليهود والمسلمين، ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل تصاعد الأمر، وهذا كله لماذا لأن امرأة من المسلمين قدمت إلى سوق بني قينقاع، وجلست إلى أحد الصاغة اليهود تبيع وتشتري منه، فجعل اليهود يريدونها على كشف وجهها، ورفضت المرأة المسلمة ذلك، فجاء أحد اليهود من خلفها وربط طرف ثوبها برأسها دون أن تشعر، وعندما وقفت انكشفت المرأة فصرخت، فجاء أحد المسلمين وقتل اليهودي الذي فعل ذلك، فاجتمع يهود بني قينقاع على المسلم وقتلوه.
فكانت هذه بوادر أزمة ضخمة في داخل المدينة المنورة، فقد اجتمعت قبيلة بني قينقاع على قتل المسلم، بعد أن قاموا بجريمة كشف عورة المرأة المسلمة، وهنا دولة كاملة تتحرك لأجل امرأة واحدة وقد وصل الأمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعلى الفور جمع صلى الله عليه وسلم الصحابة الكرام وجهّز جيشا، وانتقل سريعا إلى حصون بني قينقاع، وحاصر الحصون وفي داخلها بنو قينقاع، وأصر صلى الله عليه وسلم، على استكمال الحصار حتى ينزل اليهود على أمره، ونلاحظ في موقف النبي صلى الله عليه وسلم، ومدى عزة وكرامة الدولة الإسلامية، فقد حدث نوع من الامتهان لهذه الكرامة بهذه العملية الفاجرة من اليهود، فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم، الأمر بمنتهى الجدية، وانتقل بجيشه إلى حصار بني قينقاع مع احتمال سقوط دماء كثيرة.