الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 4”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 4”
ونكمل الجزء الرابع مع الرسول في غزوة بنى المصطلق، وتزوج النبي صلى الله عليه وسلم، السيدة جويرية بنت الحارث ، وهي بنت خمس وعشرين سنة، فقد كان الزواج منها من أهدافه الطمع في إسلام قومها، وبذلك يكثر سواد المسلمين، ويعز الإسلام، وهذه مصلحة إسلامية بعيدة، وقد يسر الله هذا الزواج، وباركه، وحقق الأمل البعيد المنشود من ورائه، فأسلمت القبيلة كلها بإسلام جويرية، وإسلام أبيها الحارث، فقد عاد هذا الزواج على المسلمين بالبركة والقوة، والدعم المادي والأدبي معا للإسلام والمسلمين، وأصبحت جويرية بنت الحارث زوجة لسيد المرسلين وأمّا للمؤمنين، فكانت رضي الله عنها عالمة بما تسمع، وعاملة بما تعلم، فقيهة عابدة، تقية ورعة، نقية الفؤاد، مضيئة العقل، مشرقة الروح، تحب الله ورسوله، وتحب الخير للمسلمين.
وكانت رضي الله عنها تروي من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وناقلة لحقائق الدين من خزائنها عند من تنزلت عليه صلى الله عليه وسلم، ويرويه عنها سدنة العلم من علماء الصحابة رضي الله عنهم، لينشروه في المجتمع المسلم، وهكذا غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع تعد من الغزوات المهمة في حياة المسلمين في عهدهم الأول، لأنها كانت مرتعا خصبا للمنافقين، حيث اتخذوا فيها صنوفا من الكيد للإسلام والمسلمين، ولنبي الإسلام صلى الله عليه وسلم، فقد حاولوا تمزيق وحدة المسلمين بإيجاد الشقاق بين المهاجرين والأنصار، وإعادة النعرة الجاهلية، كما وقعت فيها حادثة الإفك، وغزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع وإن لم تكن كبيرة من الناحية العسكرية، إلا أنها اشتملت على أحداث جسام، وافتضح فيها المنافقون.
وتسمى هذه الغزوة بغزوة المريسيع وهو ماء لبني خزاعة، أو غزوة بني المصطلق وهم من بطن خزاعة، وقد ساهموا مع قوات قريش في غزوة أحد، وكان سببها أنه لما بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم أن الحارث بن أبي ضرار وهو رأس وسيِد بني المصطلق، سار في قومه، وبعض من حالفه من العرب، يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد ابتاعوا خيلا وسلاحا، واستعدوا للهجوم على المدينة، بعث النبي صلى الله عليه وسلم بريدة بن الحصيب الأسلمي، ليستطلع له خبر القوم، فرجع بريدة وأكد للنبي صلى الله عليه وسلم صحة هذه الأخبار، فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم، في الخروج إليهم في سبعمائة مقاتل وثلاثين فرسا، وحيث إنهم كانوا ممن بلغتهم دعوة الإسلام، وكانوا قد شاركوا في غزوة أحد ضمن جيش المشركين.
وقد أغار عليهم النبي صلى الله عليه وسلم وهم غارون أى وهم غافلون، فعن عبد الله بن عمر رضى الله عنهما قال “أغار النبي صلى الله عليه وسلم على بني المصطلق وهم غارون، وأنعامهم تسقى على الماء، فقتل مقاتلتهم، وسبى سبيهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث” رواه البخاري، وفي هذه الغزوة كشف المنافقون عن مدى حقدهم على الإسلام وعلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد ازدادوا غيظا بالنصر الذي تحقق للمسلمين، وسعوا إلى إثارة العصبية بين المهاجرين والأنصار، فلما فشلت محاولتهم، سعى عبد الله بن أبي بن سلول، وهو رأس المنافقين، إلى عرقلة جهود الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم في الدعوة، ومنع الأموال من أن تدفع لذلك، وتوعد بإخراج النبي صلى الله عليه وسلم من المدينة عند العودة إليها.
وقال ” لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل” وحين علم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، استدعاه هو وأصحابه من المنافقين، فأنكروا ذلك، وحلفوا بأنهم لم يقولوا شيئا، فأنزل الله سورة المنافقين، وفيها تكذيب لهم ولأيمانهم الكاذبة، وتأكيد وتصديق لما نقله عنهم الصحابي زيد بن أرقم، وذلك في قول الله تعالى فى سورة المنافقون “هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون، يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز الأزل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون” ولقد استأذن عبد الله بن عبد الله بن أبي بن سلول في قتل أبيه، لما قاله عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاه النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، وأمره بحسن صحبته.