الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 7”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 7”
ونكمل الجزء السابع مع الرسول في غزوة بنى المصطلق، وأما عن صفوان بن المعطل بن ربيعة السلمي الذكواني، وكنيته أبو عمرو، فهو صحابي قديم الإسلام،
وقد شهد غزوة الخندق والمشاهد بعدها، وكان يكون على ساقة العسكر يلتقط ما يسقط من متاع المسلمين حتى يأتيهم به، ولذلك تخلف في هذا الحديث الذي قال فيه أهل الإفك ما قالوا، وقد روي في تخلفه سبب آخر وهو أنه كان ثقيل النوم لا يستيقظ حتى يرتحل الناس، وفي غزوة بني المصطلق سنة سته للهجرة، لما فرغ الرسول صلى الله عليه وسلم من سفره ذلك توجه عائدا، حتى إذا كان قريبا من المدينة نزل مكانا فبات به بعض الليل، ثم أذن في الناس بالرحيل، فارتحل الناس، وكانت السيدة عائشة قد خرجت لبعض حاجاتها وفي عُنقها عُقد، فلما فرغت انسل العُقد.
فلما رجعت إلى الرَحل ذهبت تلتمسه في عنقها فلم تجده، فرجعت إلى مكانها الذي ذهبت إليه، فالتمسته حتى وجدته، وجاء القوم فأخذوا الهودج وهم يظنون أنها فيه كما كانت تصنع، فاحتملوه فشدوه على البعير، ولم يشكوا أنها فيه، ثم أخذوا برأس البعير فانطلقوا به، فرجعت إلى العسكر وما فيه من داع ولا مجيب، وقد انطلق الناس، فتلففت بجلبابها ثم اضطجعت في مكانها، وعرفت أن لو قد افتقدت لرُجع إليها، فمر بها الصحابي صفوان بن المعطل السلمي، وقد كان تخلف عن العسكر لبعض حاجته، فلم يبت مع الناس، فرأى سوادها فأقبل حتى وصل عندها، وقد كان يراها قبل أن يُفرض الحجاب، فلما رآها قال ” إنا لله وإنا إليه راجعون، ظعينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم قال ” ما خَلَّفَك يرحمك الله؟ ” فما كلمته ثم قرب البعير فقال لها “اركبي ”
واستأخر عنها، فركبت وأخذ برأس البعير فانطلق سريعا يطلب الناس، فتكلم أهل الإفك وجهلوا، وقد برَّأ الله تعالى السيدة عائشة رضى الله عنها في القرآن الكريم من فوق سبع سموات، ومع كون غزوة بني المصطلق أو غزوة المريسيع ليست من الغزوات الكبرى للرسول، ولم يكن فيها الصراع طويلا، ولا القتلى والشهداء كثيرا، إلا أن هذه الغزوة اكتسبت أهمية خاصة في السيرة النبوية لخطورة الآثار الخبيثة التي تسبب فيها المنافقون فمن بين المنافقين من رأى الانتصارات المتعددة والغنائم الكثيرة التي جاءت في السرايا والغزوات التي أعقبت الأحزاب، فقرروا الخروج مع المسلمين وفي هذه الغزوة قد تسببوا في أكثر من أزمة كادت كل واحدة منها أن تطيح بكيان الدولة الإسلامية، وصدق الله العظيم إذ يقول في حق المنافقين فى سورة التوبة
“لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم والله عليم بالظالمين” وكان هذا عين ما حدث في غزوة بني المصطلق فقد تسببوا في مجموعة متتالية من الفتن فكما قال الله تعالى “وفيكم سماعون لهم” أي فيكم أيها المؤمنون الصادقون من يلتبس عليه الأمر فيشارك في الفتنة ويقع فيها، والحق أن الأزمات التي أثارها المنافقون في هذه الغزوة، فكانت صراع قام بين المهاجرين والأنصار على السقاية من بئر من آبار المنطقة، وهذا الحدث نادر في السيرة ولعله الوحيد وكانت أزمة كبيرة كادت أن تتفاقم لولا حكمة النبي صلى الله عليه وسلم، في السيطرة عليها، وهي تنازع سنان بن وبر الجهني حليف بني سالم من الأنصار وجهجاه بن سعيد الغفاري الكناني على الماء فضرب جهجاه سنانا بيده.
فنادى سنان يا للأنصار ونادى جهجاه يا لقريش يا لكنانة فأقبلت قريش سراعا وأقبلت الأوس والخزرج وشهروا السلاح فتكلم في ذلك ناس من المهاجرين والأنصار حتى ترك سنان حقه وعفا عنه واصطلحوا، ثم نجمت عن هذه الفتنة فتنة أخرى خطيرة، وهي فتنة نداء المنافقين في أوساط الأنصار بأن يخرجوا المهاجرين من المدينة، وقال عبد الله بن أبي بن سلول كلمته يعلق فيها على المهاجرين بقوله ” والله ما نحن وهم إلا كما قال الأول، سمن كلبك يأكلك، أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منا الأذل” وكانت أزمة خطيرة توشك أن تقضي على الأمة الإسلامية، ثم حدثت فتنة ثالثة شنيعة وهي حادثة الإفك، وفيه اتهم المنافقون السيدة عائشة رضى الله عنها بالفاحشة، وقد وقع بعض المؤمنين في الأمر، واتسع نطاق الأزمة حتى شمل المسلمين كلهم.