الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 9”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 9”
ونكمل الجزء التاسع مع الرسول في غزوة بنى المصطلق، وقد تمكنت هذه السرية فعلا من قتل اليسير بن رزام، وأمن المسلمون بذلك شر خيبر بصفة مؤقتة، ولا شك أن العلاج النهائي لمشكلة خيبر، وتأليبها المستمر على المسلمين هو الغزو المباشر لخيبر وحربها حربا فاصلة كتلك الحروب التي تمت قبل ذلك مع يهود بني قينقاع وبني النضير وبني قريظة وكان هذا الحل النهائي، ولكن النبى صلى الله عليه وسلم، لم يكن يستطيع أن يغزو خيبر دون أن يؤمن ظهره وأخطر ما يهدد ظهره هو غزو قريش للمدينة، وبالذات أنه لم يمر على غزو المدينة إلا عام واحد فقط، وإذا خرج النبى صلى الله عليه وسلم، لحرب خيبر حربا شاملة فقد يستغرق ذلك فترة طويلة من الزمان قد تصل إلى شهر لشدة بأس المقاتلين من أهل خيبر، ومناعة حصونهم.
ولا يستطيع النبى صلى الله عليه وسلم، أن يترك المدينة خالية من الجند فترة طويلة غير محسوبة، لذلك اكتفى النبى صلى الله عليه وسلم، بقتل رأس الفتنة ومحرك الجموع هو اليسير بن زرام، إلى أن يصل إلى وسيلة لتأمين جانب قريش، ثم بعدها يتفرغ لقضية خيبر، أما السرية الثالثة والأخيرة في هذا الشهر فكانت سرية خطيرة أخرى ووجهتها إلي مكة المكرمة عقر دار قريش ومهمتها في غاية الخطورة وهذه المهمة هي اغتيال أبي سفيان شخصيا، وكانت هذه السرية ردا على تجميع أبي سفيان للجموع الضخمة لحصار المسلمين في الأحزاب، ومحاولة إهلاك أهل المدينة جميعا، وكذلك ردا على محاولة أبي سفيان لاغتيال النبى صلى الله عليه وسلم، عندما أرسل أعرابيا إلى المدينة لهذا الغرض وفشلت محاولة الأعرابي.
وكما فشلت محاولة الأعرابي، فشلت أيضا محاولة السرية الإسلامية التي كانت بقيادة عمرو بن أمية الضمري في اغتيال أبي سفيان، وعمرو بن أمية الضمري الكناني، هو صحابي جليل وأحد أَنجاد العرب ورجالها نجدة وجراءة وشجاعة وإقداما وفاتكا من فتاكهم في الجاهلية وقد بعثه النبى صلى الله عليه وسلم، في سرية وحده إلى النجاشي الأصحم ملك الحبشة، كما بعثه في سرية لقريش وكان الناجي الوحيد من الصحابة الذين خرجوا في سرية بئر معونة، ولكن بعد فترة أسلم وحسن إسلامه، ولكن المهم في هذا الموقف هو أن قريشا علمت أنها مهددة بجدية في عقر دارها، ولقد كانت هذه سرية عمرو بن أمية في شوال فى السنة السادسة، وبذلك مرت سنة كاملة على غزوة الأحزاب والتي كانت في شوال فى السنة الخامسة.
ولقد تميزت السنة السادسة من الهجرة بأنها كانت سنة جهادية من الدرجة الأولى، حيث انتشرت فيها جيوش الإسلام في كل أنحاء الجزيرة العربية تقريبا، وتمت فيها عشرون حملة عسكرية، ويعني هذا أن هناك حملة عسكرية كل عشرين يوم، وقد كان منها سبع عشرة سرية بقيادة الصحابة، وثلاث غزوات بقيادة النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، ومع أن هذه الغزوات والسرايا بصفة عامة لم تكن من المعارك الضخمة إلا أن تأثيرها كان عميقا على أهل الجزيرة، سواء من المسلمين أو المشركين أو اليهود أو المنافقين أو الأعراب، وتحسن الوضع الأمني للمسلمين في الجزيرة العربية سواء في المدينة المنورة أو في القبائل المسلمة في أي مكان، أو حتى للمسلمين العابرين، أو المسافرين من مكان إلى مكان.
فقد أصبح للمسلمين هيبة عظيمة في قلوب الجميع، وقد تحسن المستوى العسكري والأداء القتالي للمسلمين تحسنا ملحوظا، فهذه كانت دورات عسكرية تدريبية عملية تختلف كثيرا عن التعليم النظري، وتختلف حتى عن التدريب الاصطناعي غير الواقعي، وأيضا قد تحسن الوضع الاقتصادي للدولة الإسلامية، وذلك نتيجة لعدة عوامل منها الاستقرار الأمني الذي يشجع المناخ التجاري، ومنها العلاقات المنتشرة للمسلمين في كل مكان، ومنها كثرة الغنائم من السرايا والغزوات، ومنها اعتماد المسلمين تجاريا على أنفسهم بعد قطع العلاقات التجارية مع اليهود، وقد أقام المسلمون علاقات دبلوماسية قوية، مع الكثير من موازين القوة في الجزيرة العربية، سواء على المستوى القبلي أو على مستوى الأفراد الزعماء.