الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 10”

الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 10”

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الرسول في غزوة بنى المصطلق “جزء 10”

ونكمل الجزء العاشر مع الرسول في غزوة بنى المصطلق، وقد أقام المسلمون علاقات دبلوماسية قوية مع قبائل بني المصطلق، وبني كلب في دومة الجندل، وكذلك مع بعض الزعماء الكبار أمثال ثمامة بن أثال، وكان في المقابل لهذه العلاقات حدث تفكك ملحوظ في علاقات قريش بكثير من القبائل العربية، فالقبائل التي عقدت علاقات مع المسلمين فقدتها قريش، وآثرت أكثر القبائل أن تبقى على الحياد، فلا هي مع قريش ولا هي مع المسلمين، وهذا انتصار للمسلمين، لأن قريشا مع ما لها من تاريخ وقوة وسيادة لم تعد مقنعة لعموم القبائل العربية كحليف، وقد شعرت قريش بالقلق الشديد نتيجة نمو الدولة الإسلامية بهذه الصورة وأحست أن المسلمين قادرون على تهديدها في عقر دارها، وكان ذلك له أثر كبير على الحالة النفسية للقرشيين جعلهم يشعرون أن البساط يسحب من تحت أقدامهم.

وأن الأيام القادمة ليست لهم، وذلك نتيجة التقدم الإسلامي الملموس، والتأخر القرشي الواضح فقد ارتفعت معنويات المسلمين جدا وزادت ثقتهم بأنفسهم، وهذا سيعطيهم القدرة على الانطلاق إلى قرارات جريئة تكون لها تبعات كبيرة ولن يقف أمام أحلامهم أحد، وكان نتيجة هذا المستوى الإسلامي المتميز سارع المنافقون بكتم نفاقهم، ومن كان يجاهر بالسوء أيام الأحزاب فإنه الآن يداهن ويتخفى، وليس معنى ذلك أنهم سيكفون عن أذاهم، ولكن معناه أنهم سيكيدون كيدهم بحذر أكثر وحرص أعظم، وهذا قد يضاعف من خطرهم، وما أحداث غزوة بني المصطلق بخافية على أحد، فهم دبروا هذه الفتنة التي حدثت بها في الظلام دون أن يجهروا بشيء، بل إنهم عندما سئلوا مباشرة عن هذه الأحداث أنكروها وحلفوا بالله تعالى ما قالوا.

ولا شك أن فتنة المنافقين ستزداد كلما ازدادت قوة الدولة الإسلامية، وستتفاقم هذه الفتنة بعد ثلاث سنوات، وأثناء غزوة تبوك، ضعفت قوة اليهود إلى حد كبير، فقد قتل أكابرهم بدءا بحيي بن أخطب وسلام بن مشكم أثناء غزوة بني قريظة، ومرورا باغتيال الزعيمين الجدد سلام بن أبي الحقيق واليسير بن رزام، ثم إنهم قد هوجموا في وادي القرى وفدك وهددوا تهديدا خطيرا، وفوق ذلك فقد فقدوا الكثير من أحلافهم في الجزيرة العربية بعد الحملات الإسلامية المتكررة هنا وهناك، فلقد كانت هذه الحملات بمنزلة تقطيع الأوصال ليهود خيبر تمهيدا للقاء فاصل يريح الناس من أذى اليهود، وكان نتيجة هذه الحملات العسكرية هنا وهناك سمع أهل الأرض بهذا الدين الجديد وهذه الدولة الإسلامية الحديثة، وتحولت الدعوة من المحلية إلى العالمية.

ومن الجزيرة العربية إلى القارات المختلفة، ومن العرب إلى كل أجناس الأرض والعناصر، وكان هذا الأثر العاشر لهذه الحملات الجهادية، ولا شك أن هذه الآثار الكثيرة، كانت تشير إلى أن هناك حدثا كبيرا ستمر به المنطقة سيكون له أبلغ الأثر في تغيير الأوضاع، وهو الانتقال إلى مرحلة جديدة تتبدل فيها موازين القوى في الجزيرة العربية، بل في العالم أجمع، وهى غزوة لم تكن طويلة الذيل ولا عريضة الأطراف من الناحية العسكرية إلا أنه قد وقعت فيها وقائع أحدثت البلبلة والاضطراب في المجتمع الإسلامي وأظهر فيها المنافقون صورا خطيرة من صور الخبث والتمرد والنفاق إنها غزوة بني المصطلق وسبب الغزوة أن زعيم بني المصطلق سار في قومه ومن قدر عليه من العرب يريدون حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فبعث النبي صلى الله عليه وسلم إليهم بريدة الأسلمي رضي الله عنه ليتحقق من الخبر فانطلق بريدة إلى الحارث بن أبي الضرار رئيس بني المصطلق فكلمه ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليؤكد له صحة الخبر وعزم القوم على قتال رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن معه من المسلمين فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه وأسرع في الخروج فخرج معه جماعة من المنافقين لم يخرجوا في غزاة قبلها فلما بلغ الخبر إلى بني المصطلق وتأكد لديهم أن النبي صلى الله عليه وسلم قد تحرك بجيشه إليهم وكانوا قد أرسلوا جاسوسا ليأتيهم بخبر الجيش الإسلامي فألقى المسلمون عليه القبض وقتلوه خافوا خوفا شديدا وتفرق عنهم من كان معهم من العرب وأصابهم الرعب ودب في قلوبهم الخوف من تحرك النبي صلى الله عليه وسلم وجيشه إليهم.