الدكرورى يكتب عن ضوابط بناء الأسرة ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء السادس مع ضوابط بناء الأسرة، ولقد اعتنى الشرع الشريف بالأسرة عناية خاصة لما تؤديه من وظائف أساسية تحافظ من خلالها على وجود النوع البشرى، واستمرار الحياة الإنسانية وفق ضوابط وأحكام ومقاصد شرعية تحفظ مراعاتها ديمومة الصلاح والخير والعمران، فهى نواة أصلية لهذه الحياة، وصورة مصغرة من مجتمعاتها التى بدونها تنقرض السلالة البشرية وتنتهى الحياة الإنسانية، وتتنوع تلك الوظائف تنوعا يشمل جوانب الإنسان، فمن الناحية البيولوجية تعتبر الأسرة الملاذ المباشر لتوفير الرعاية البدنية والصحية والمسكن والغذاء لأفرادها، فضلا عن كونها الوسيلة الوحيدة التى تحافظ على بقاء النوع الإنسانى بالتوالد والإنجاب، وهى مهمة قائمة منذ هبط سيدنا آدم إلى الأرض وكوّن الأسرة، وتبرز أهمية الأسرة من قيامها بوظيفة ذات أهمية كبري.
فى بناء المجتمعات والأوطان على أسس قوية، وهى الوظيفة التربوية، سواء كان ذلك دينيا، أو علميا أو جسميا، أو خُلقيا، ويكون ذلك من خلال التنشئة على القيم الصحيحة، والأخلاق الرفيعة، والعادات والتقاليد النافعة التى تتكون منها شخصية الفرد وتغرس فيها المعانى السامية كحب الخير، وفعل الصلاح، وأهمية الوقت وتنظيمه، وحب الأوطان والنهوض بها، وكما أن هناك منافع لا يدركها الزوجان إلا فى يوم القيامة، أولها امتثال أمر الله الكونى والشرعى بالسعى فى طلب الولد من أجل استمرار جنس الإنسان، وثانيها طلب محبة النبى صلى الله عليه وسلم فى تكثير أمته وتابعيه الكثرة التى تحقق المعنى الحقيقى لوجود الإنسان فى هذه الدنيا، لا الكثرة العددية، وثالثها ابتغاء صلة الولد الصالح بعد الممات بالدعاء والعمل الصالح، ورابعها التعرض لما أعده الله تعالى.
لمن مات ولده صغيرا قبله من الشفاعة، ورغم ترتب هذه الفوائد على قيام الأسرة بوظيفتها الموضحة سابقا فقد ضبط الإسلام ذلك بضوابط محكمة تضمن إخراج ذرية طيبة تقر بها عين الأبوين، ويتقدم بها المجتمع والوطن، وذلك بمراعاة وجود هذا النسل قويا خاليا من الأمراض والمشاكل الوراثية مع اعتبار مدى استطاعتها على القيام برعاية الأولاد رعاية متكاملة دون إرهاق أو حرج، فضلا عن المحافظة على صحة الأمهات من أضرار الولادة المتتالية وكثرة الحمل وتفرغها لتربية أبنائها، وتعتبر الوظائف الجوهرية والمتعددة التي تناط بالأسرة ثابتة وإن اختلفت مسمياتها من باحث إلى آخر، وإن انتقلت من السعة إلى الضيق، ومن التعدد إلى الانكماش بسبب التطورات الاجتماعية التي تطرأ على المجتمع، ويشار إلى أن الأسرة الحديثة سُلبت بعض من وظائفها.
كالوظيفة الإنتاجية التي انتقلت إلى المصنع والوظيفة التعليمية التي انتقلت إلى المدرسة، لكن ذلك لم يجعل الأسرة تخرج عن وظائفها الأساسية، فعلى الرغم من ذلك حافظت الأسرة على وظائفها والتي يمكن اختصارها فى الوظيفة البيولوجية وهى وظيفة الإنجاب والتي تضمن للمجتمع نموه واستمراره وتزويده بالأفراد الجدد، فالأسرة هي المكان الطبيعي لإنجاب الأطفال بالصورة التي يقرّها المجتمع وهو ما يمكن أن يسمّى بحفظ النوع الإنساني، وأيضا إشباع الحاجات الأساسية وتكون إما لاستقرار الحياة نفسها وهي الحاجات الفسيولوجية، مثل الحاجة إلى الغذاء، والملبس، والمسكن، والرعاية الصحية، أو لعيش حياة بأسلوب أفضل بإشباع الحاجات النفسية والمعنوية، مثل الحاجة إلى شعور الفرد بالأمان، وأنه شخص محبوب ومقبول من الآخرين.
كما أنه في حاجة إلى الشعور بالانتماء إلى جماعة تمنحه الثقة والتجاوب، وأيضا الوظيفة الاقتصادية حيث تشارك الأسرة عن طريق أفرادها في عمليات الإنتاج الكلي في المجتمع، حيث أصبح الأبناء والزوجات يشاركون في العمل وزيادة دخل الأسرة، كما أصبح للمرأة دور بارز في اتخاذ القرارات الاقتصادية المتعلقة بالشراء، وفي ضبط ميزانية الأسرة، وهناك أيضا الوظيفة التربوية حيث تعتبر الأسرة البيئة الاجتماعية الأولى التي يبدأ فيها الطفل بتكوين ذاته والتعرف على نفسه عن طريق التفاعل مع أعضائها الذين ينقلون إليه ثقافة المجتمع، وبالرغم من انتقال جزء من وظيفة التربية والتعليم إلى مؤسسات نظامية في المجتمع تخضع لتخطيط وتنفيذ برامج موحدة مثل المدرسة، إلا أنه ما زال للأسرة تأثيرات على التعليم والتنشئة الاجتماعية .