الدكرورى يكتب عن ضوابط بناء الأسرة ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ضوابط بناء الأسرة ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع ضوابط بناء الأسرة، وإن من أهداف الأسرة المسلمة وتكوينها صيانة الشباب وقوتهم من أن يستنزفها الزنا واللواط والعادات السرية الضارة، وما يترتب عليها من انهيارات جسمانية ومعنوية، لا تخفى خطورتها، أو أن تفتك بها الأمراض الخبيثة، والأمراض الجنسية التي جعلها سبحانه وتعالى عقوبة لمن تظهر فيهم الفاحشة، وتشيع فيهم المنكرات، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال “يا معشر المهاجرين، خمس إذا ابتليتم بهن، وأعوذ بالله أن تدركوهن، لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا، ولم ينقصوا المكيال والميزان إلا أخذوا بالسنين وشدة المؤونة وجور السلطان عليهم.
ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا مُنعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يُمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله إلا سلط الله عليهم عدوا من غيرهم، فأخذوا بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتخيروا مما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم” رواه ابن ماجه، وإن الأسرة هي الخلية الاجتماعية الأولى في المجتمع، وعلى صلاحها وقوتها واستقامتها يتوقف صلاح المجتمع وقوته وتماسكه، فالمرأة والرجل هما عماد الأسرة، إذا صلح كل منهما استطاعا أن يكونا بيتا نموذجا على القواعد التي وضعها الإسلام، وقد وضع الإسلام قواعد البيت فأحكم وضعها، فأرشد الزوجين إلى حسن الاختيار، وبيّن أفضل الطرائق للارتباط، وحدد الحقوق والواجبات على كل من الطرفين، وما يتميّز به كل واحد منهما، والإسلام يعتبر نظام الأسرة هو النظام الطبيعي الفطري.
المنبثق من أصل التكوين الإنساني، بل من أصل الأشياء كلها في الكون الذي يقوم على قاعدة الزوجية، والأسرة هي المحضن الطبيعي الذي يتولى حماية الناشئة ورعايتها وتنمية أجسادها وعقولها، وفي ظله تتلقى مشاعر الحب والرحمة والتكامل، وتتطبع بالطابع الذي يلازمها مدى الحياة، وعلى هديه ونوره تتفتح للحياة وتتعامل مع الحياة، وإن الأسرة تمثل ساحة انطلاق والتقاء الثقافة والمجتمع والشخصية، فهى العامل الأصيل فى تحويل الإنسان من فرد بيولوجى إلى شخصية اجتماعية، باعتبار كونها النافذة الأولى التى ينظر من خلالها على أخلاق المجتمع وثقافته، ومن ثمّ تقوم الأسرة بتشكيل ضمير الفرد الداخلى مع تحديد أدواره ومكانته فى شبكة العلاقات الاجتماعية بدوائرها المختلفة، وهى سمات مميزة للدور الاجتماعى الذى تنطلق منه الأسرة لتعليم أفرادها.
كيفية التعامل مع الآخرين وتكوين العلاقات الاجتماعية من خلال إرشادهم إلى انتقاء الأصحاب، وأساليب التفاعل مع من حولهم، فضلا عن تحذير الأبناء من المخاطر المحيطة بهم، كرفقاء السوء، والعادات السيئة، والانحرافات الفكرية، ويضاف إلى ذلك الجهود التى تقوم بها الأسرة فى الارتقاء بالجانب النفسى للفرد من المساعدة فى تحقيق الاستقرار لدى أفرادها والإحساس بالأمان، وزيادة شعورهم بالحنان والرحمة والحب والسلام والراحة النفسية، وضرورة الابتعاد عن مواطن الهلاك ودوائر الضياع، وبهذه المعانى تبرز أهمية الأسرة وتتضح سمات وظائفها المنوطة بها حتى تتحقق فيها شروط الحاضنة الحيوية للإنسان التى تتكون فيها مهاراته ومعارفه، وتتشكل من خلال قيمها النافعة اتجاهاته الاجتماعية والثقافية والأخلاقية والاقتصادية، بما يكون ذرية طيبة تقر بها عيون المجتمع، ويتقدم بجدها واجتهادها الوطن وتفخر بها الأمة.
فيا أيها الأب الكريم، إن أولادك مرآة يعكسون أخلاقك وأعمالك، فإن رأوك تعظم الله وتخافه عظموا الله عز وجل، إن رأوك تخشى الله وتتقيه خشوا الله واتقوه في أعمالهم بتوفيق من الله، إن رأوك ذا محافظة على الصلوات الخمس فى أوقاتها، إن رأوك على هذه الصفة تأسوا بك فحافظوا عليها، إن رأوك معظما لأبيك وأمك فإنهم سيعاملونك كذلك، إن رأوك تجالس ذوى التقى والصلاح بعيدا عن أهل الإجرام والإفساد نفروا من تلك الشلل الفاسدة والمجتمعات الآسنة، إن رأوا منك كلمات طيبة وألفاظا حسنة كانت ألفاظهم كذلك، وإن سمعوا منك السباب واللعان والقبح والفحش فى الأقوال سمعت منهم مثل ذلك وأشد، فيا أيها الأب الكريم، لا بد من عظة للأبناء ونصيحة لهم، ورسم الطريق الصالح ليسلكوه، وأن الأب ليس مجرد صندوق مالي يحصل من خلاله الأبناء على الأموال اللازمة لشراء احتياجاتهم ومتطلباتهم المعيشية.