الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 2″ 

الدكرورى يتكلم عن الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 2″ 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع الإيمان بالله سبحانة وتعالي، ولذلك امتدح الله المؤمنين ووصفهم بقوله “إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا” من سورة الحجرات، ويقابل ذلك النفاق، فالمنافقون مسلمون في الظاهر، يأتون بشعائر الدين مع المسلمين، لكنهم يبطنون الكفر والبغض للدين، والمقصود بالنطق باللسان هو النطق بالشهادتين، ولا يكفي مجرد الاعتراف بوجود الله، والإقرار بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم دون أن يتلفظ بالشهادتين بدليل أن المشركين كانوا يقرون بأن الله هو الخالق الرازق المدبر، وكما قال عزوجل “قل من يرزقكم من السماء والأرض أم من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله” سورة يونس، ولكنهم امتنعوا عن قول كلمة التوحيد، واستكبروا “إنهم كانوا إذا قيل لهم لا إله إلا الله يستكبرون” من سورة الصافات.

وها هو أبوطالب عم رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقر بنبوة ابن أخيه ويدافع عنه وينصره، فلم ينفعه ذلك ولم يخرجه من النار، لأنه لم يقبل أن يقول كلمة الإيمان ومفتاح الجنة، ولهذا كانت هذه الكلمة هي التي تعصم أموال الناس، وتحقن دماءهم ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم” أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله ” متفق عليه، وقد أجمع العلماء على أن من لم ينطق الشهادتين بلسانه مع قدرته، فإنه لا يعتبر داخلا في الإسلام وأما العمل بمقتضى هذا الإيمان، فهو قضية من أعظم القضايا التي غفل الناس عن فهمها، فالإيمان لا يمكن أن يتحقق إلا بالعمل، والشريعة مليئة بالنصوص القاطعة.

الدالة على ركنيّة العمل لصحة الإيمان، فقد قال تعالى “ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين” من سورة النور، ولا شك أن ترك العمل بدين الله من أعظم التولي عن طاعة الله وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وبهذا يتبين لك ضلال من ابتعد عن نور الله، وترك العمل بشريعته، فإذا نصحته بصلاة أو زكاة احتج لك بأن الإيمان في القلب، ونسي أن العمل يصدق ذلك أو يكذبه، كما قال الحسن البصري رحمه الله، إذ لو كان إيمانه صادقا لأورث العمل، وأثمر الفعل، وإذا كان الإيمان متضمنا لتلك الأمور الثلاثة، لزم أن يزيد وينقص، وبيان ذلك أن الإقرار بالقلب يتفاوت من شخص لآخر، ومن حالة إلى أخرى، فلا شك أن يقين الصحابة بربهم ليس كغيرهم، بل الشخص الواحد قد تمر عليه لحظات من قوة اليقين بالله حتى كأنه يرى الجنة والنار.

وقد تتخلله لحظات ضعف وفتور فيخفّ يقينه، كما قال حنظلة رضي الله عنه ” نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرنا بالنار والجنة حتى كأنها رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عافسنا الأزواج والأولاد والضيعات فنسينا كثيرا ” إذا فإقرار القلب متفاوت، وكذلك الأقوال والأعمال، فإن من ذكر الله كثيرا ليس كغيره، ومن اجتهد في العبادة، وداوم على الطاعة، ليس كمن أسرف على نفسه بالمعاصي والسيئات، وأسباب زيادة الإيمان كثيرة، منها معرفة أسماء الله وصفاته، فإذا علم العبد صفة الله ” البصير ” ابتعد عن معصية الله تعالى، لأنه يستشعر مراقبة الله له، وإذا قرأ في كتاب الله قوله “قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير”

اطمأن قلبه، ورضي بقضاء الله وقدره، ومنها كثرة ذكر الله تعالى لأنه غذاء القلوب وقوت النفوس مصداقا لقوله تعالى “ألا بذكر الله تطمئن القلوب” سورة الرعد، ومن أسباب زيادة الإيمان النظر في آيات الله في الكون والتأمل في خلقه كما قال تعالى “وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون” من سورة الذاريات، ثم تناول الحديث مرتبة الإحسان وهي أعلى مراتب الدين وأشرفها، فقد اختص الله أهلها بالعناية، وأيدهم بالنصر، فقال عزوجل “إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون” سورة النحل، والمراد بالإحسان هنا قد بيّنه النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ” أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ” وهذه درجة عالية ولا شك، لأنها تدل على إخلاص صاحبها ودوام مراقبته لله عزوجل، ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها.