الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 3″ 

الدكرورى يتكلم عن الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 3″ 

بقلم / محمــــد الدكــــرورى

الإيمان بالله سبحانة وتعالي ” جزء 3″

ونكمل الجزء الثالث مع الإيمان بالله سبحانة وتعالي، ثم سأل جبريل عليه السلام عن الساعة وعلاماتها، فبيّن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم أنها مما اختص الله بعلمه وهي من مفاتيح الغيب التي لا يعلمها إلا الله ، لكنه بين شيئا من أماراتها فقال ” أن تلد الأمة ربتها ” يعني أن تكون المرأة أمة فتلد بنتا، وهذه البنت تصبح سيدة تملك الإماء، وهذا كناية عن كثرة الرقيق، وقد حصل هذا في الصدر الأول من العهد الإسلامي، أما العلامة الثانية ” وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ” ومعناه أن ترى الفقراء الذين ليسوا بأهل للغنى ولا للتطاول، قد فتح الله عليهم فيبنون البيوت الفارهة، والقصور الباهرة، وخلاصة ما سبق من حقيقة الإيمان الشرعي أنها مركبة من قول وعمل، والقول قسمان قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان.

وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة، زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء، فإن تصديق القلب شرط في اعتقادها وكونها نافعة، وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق فهذا موضع المعركة بين المرجئة وأهل السنة، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب، وهو محبته وانقياده، كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدق الرسول، بل ويقرون به سرا وجهرا، ويقولون ليس بكاذب، ولكن لا نتبعه ولا نؤمن به، وإن من علامات الإيمان هو محاربة المنكرات، ونشر الخير، والدعوة إلى المعروف، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “من رأي منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان” رواه مسلم.

ومن حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل” ومن الناس من حظه من الإيمان مجرد الإقرار بوجود الخالق، وأنه الذي خلق السماوات والأرض وما بينهما، وهذا لم ينكره حتى عباد الأوثان والأصنام، وآخرون إيمانهم مجرد النطق بالشهادتين، دون عمل أو متابعة أو استجابة لله تعالى ولرسوله، وآخرون إيمانهم عبادة لله تعالى على وَفق أذواقهم، ومواجيدهم وما تهواه نفوسهم، من غير تقيد بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم.

من عند الله سبحانه وتعالى، ومنهم ما وجدوا عليه آباءهم وأسلافهم كائنا ما كان، ولو كان مخالفاً للشرع الحنيف، ومنهم إيمانهم مكارم أخلاق، وحسن معاملة، وطلاقة وجه، ومنهم إيمانهم تجرد من الدنيا وعلائقها، وتفريغ للقلب منها، والزهد فيها، فمن كان هكذا جعلوه من سادات أهل الإيمان، وإن كان منسلخا من ربقة الإيمان علماً وعملاً، وهذه رهبانية ابتدعوها ما كتبها الله عليهم، فإن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه، وقد كان المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو القدوة والأسوة، وسيد العباد والمؤمنين جامعا بين الدنيا والآخرة بقدر، يأكل الطعام، ويمشى في الأسواق, يجالس أصحابه، ويمازحهم, ويتزوج النساء, ويصوم ويفطر، ويقوم وينام، فمن رغب عن سنته فليس منه، وهذه الطوائف كلها لم تعرف حقيقة الإيمان، ولا قام بها ولا قامت به.

فالإيمان هو معرفة ما جاء به الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم والتصديق به اعتقادا، والإقرار به قولا ونطقا، والانقياد له محبة وخضوعا، والعمل به باطنا وظاهرا، وتنفيذه والدعوة إليه بحسب الإمكان، وكمال الإيمان يكون بكمال الحب في الله تعالى والبغض فيه، والعطاء لله والمنع لله، ومنه محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين” رواه البخاري، ألا وإن من محبته صلى الله عليه وسلم محبة أتباعه والمتمسكين بسنته في كل زمان ومكان، واتباع أمره، وتحكيم سنته، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وألا يعبد الله سبحانه وتعالى إلا بما شرع، فقال تعالى في سورة الأحزاب ” وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالا مبينا”

فإن الإيمان هو حصن حصين من الشهوات، والمحرمات ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال “لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشرب وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن، ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن” متفق عليه، فالمؤمنون لهم الأمن في الدارين، أمن وسلام، وهداية وتوفيق في الدنيا، وأمن من المخاوف، وسلامة من المضائق يوم الفزع الأكبر، فيقول تعالى فى سورة الأنعام ” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” قال الله أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر” فاللهم إهدنا واهدي بنا واجعلنا سببا لمن اهتدي.