الدكرورى يكتب عن الكبر مرض خطير ” جزء 2″
بقلم / محمـــــد الدكـــــرورى
الكبر مرض خطير ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع الكبر مرض خطير، وإن المتكبر متوّعد بعدم دخول الجنة، فقَال النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يدخل الجنة أحد فى قلبة مثقال حبة خردل من كبر” رواه مسلم، وما عصى إبليس ربه وهو أول العاصين، إلا لما استقر في قلبه من الكبر ” قال أنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين” بل إن الكبر أشر وأخطر من الشرك، فقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله التكبر شر من الشرك، فإن المتكبر يتكبر عن عبادة الله تعالى، والمشرك يعبد الله وغيره، والكبر رفض الحق ودفعه وعدم الالتزام به بعض الناس أى تشتاق نفسه إلى الهداية، ولكنه يمنعه الكبر من اتباع شعائر الدين، وإن الكبر له علامات، فَبِها يعرف أحدنا أنه متكبر أو لا، فالكل يدعي أنه بريء من الكبر والغرور، وأنه من المتواضعين غاية التواضع.
وروي عن عمر بن العزيز رحمه الله تعالى أتاه ليلة ضيف وكان يكتب، فكاد المصباح أن يطفأ، فقال الضيف أقوم إلى المصباح فأصلحه، فقال ليس من كرم الرجل أن يستخدم ضيفه، قال أفأنبه الغلام؟ أي الخادم، فقال عمر هي أول نومة نامها، فقام وملأ المصباح زيتا، فقال الضيف قمت أنت يا أمير المؤمنين؟ فقال ذهبت وأنا عمر، ورجعت وأنا عمر، ما نقص مني شيء، وخير الناس من كان عند الله متواضعا، ومن آثار الكبر، لبس بعض الرجال خاتم ذهب أو ساعة فيها ذهب، أو نظارات فيها ذهب،أوجنبية فيها ذهب فاسمع ما قاله النبي الكريم صلى الله عليه وسلم في ذلك حين رأى خاتما من ذهب في يد رجل فنزعه فرماه، ثم قال “يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في يده” والمتكبر من الناس ذلك الذي ألبس نفسه لباس الكبر والغرور.
يرى نفسه أفضل من غيره، يترفع على الناس ويستعلي عليهم، وينظر إليهم نظرة احتقار وازدراء، مغرور معجَب بنفسه ورأيه، لا يقبل الحق ولو ظهر له خطؤه، وإن الكبر سبب من أسباب هلاك الأمم السابقة فبكبرهم وعنادهم طغوا وتجبّروا وظلموا وأفسدوا، تمردوا على خالقهم، واستنكفوا عن عبادته، وقاتلوا أنبياءه ورسله، وصدوا عن سبيله، فحق عليهم العذاب، وجاءهم الهلاك، وحل بهم الدمار، والكبر سبب في الإعراض عن الحق، والبعد عن دين الله، والصرف عن آياته فالمتكبر لا يقبل الحق، ولا ينتفع بآيات الله، ولا تؤثر فيه موعظة ولا نصيحة، وإن الكبر داء يُذل صاحبه، ويخزيه، ويحط من قدره عند الله وعند عباده، ويبعده عن الله، ويحجبه عن رحمته وعطائه، فكلما تكبر واستعلى ونظر إلى نفسه نظرة إجلال وإكبار نزل قدره.
وسقط من أعين الناس، ومقته الله ومقته الناس، والكبر سبب في دخول النار والخلود فيها فليعلم المتكبر على الله وعلى دينه وعباده أنه يجرّ نفسه إلى عذاب الله، ويقول الله عز وجل فى كتابه الكريم ” إن المتقين فى مقام أمين” أي قد أمنوا فيه الغير واستأمن إليه، ودخل في أمانة، وقد أمنه وآمنه، والأمنة والأمانة نقيض الخيانة، ويقول الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ” المؤذن مؤتمن ” ومعنى مؤتمن القوم، أى الذي يثقون فيه ويتخذونه أمينا حافظا، والمؤمن من أسماء الله تعالى وقيل في صفة الله الذي أمن الخلق من ظلمه، وقيل المؤمن الذي آمن أولياءه عذابه وقيل المؤمن الذي يصدق عباده ما وعدهم وقال ابن الأثير في أسماء الله تعالى المؤمن وهو الذي يصدق عباده وعده فهو من الإيمان التصديق، أو يؤمنهم في القيامة عذابه، فهو من الأمان ضد الخوف.
والأصل في الإيمان الدخول في صدق الأمانة التي ائتمنه الله عليها، فإذا اعتقد التصديق بقلبه كما صدق بلسانه فقد أدى الأمانة، وهو مؤمن، ومن لم يعتقد التصديق بقلبه فهو غير مؤد للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وهو منافق وأما قوله عز وجل ” إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا” وقيل أن الأمانة هنا النية التي يعتقدها الإنسان فيما يظهره باللسان من الإيمان، ويؤديه من جميع الفرائض في الظاهر، لأن الله عز وجل ائتمنه عليها ولم يظهر عليها أحدا من خلقه، فمن أضمر التوحيد والتصديق مثل ما أظهر فقد أدى الأمانة، ومن أضمر التكذيب، وهو مصدق باللسان في الظاهر فقد حمل الأمانة ولم يؤدها.