الدكرورى يكتب عن فوائد المرض وحكمه ” جزء 1″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
فوائد المرض وحكمه ” جزء 1″
إن للناس مع المرض أحوال شتى فهم متفاوتون منهم المأجور ومنهم المأزور فقد قال النبي الكريم صلى الله عليه وسلم “عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط” رواه ابن ماجه، ولذلك كان لأهل الإيمان مع المرض شأن آخر فقد سُئل النبي صلى الله عليه وسلم، من أشد الناس بلاء؟ قال ” الأنبياء ” قيل ثم من؟ قال ” العلماء ” قيل ثم من ؟ قال ” الصالحون” وكان أحدهم يبتلى بالقمل حتى يقتله، ويبتلى احدهم بالفقر حتى ما يجد إلا العباءة يلبسها، ولأحدهم كان أشد فرحا بالبلاء من أحدكم بالعطاء” وعن أبي سعيد رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه، فإن كان في دينه صلبا اشتد بلاؤه، وإن كان في دينه رقة ابتلي على قدر دينه.
فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركَه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة” وقال النبي صلى الله عليه وسلم “إذا أراد الله بعبده الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافى به يوم القيامة” فإن الدنيا هي دار بلاء وأمراض ظل زائل ومتاع منتهي ما من إنسان في هذه الدنيا إلا ولابد أن يواجه فيها مرض وعافية وسرور وفرح وحزن وسراء وضراء كل هذا لماذا، وكثيرا من الناس قد يواجه المرض لكنه ينسى الصبر عليه وينسى ما في المرض والبلايا من فوائد جمّة في الدنيا والأخرى، وإن الله تعالى لم يخلق شيئا إلا وفيه نعمة ولولا أن الله خلق العذاب والألم لما عرف المتنعمون قدر نعمة الله عليهم، وإننا نعيش في عصر وزمان كثرة أمراضه وأسقامه، أدواء وأمراض انتشرت في الناس انتشار النار في يابس الحطب.
أدواء وأسقام لا يكاد يسلم منها أحد إلا من رحم الله، فهيهات أن ترى لذة لا يشوبها ألم، أو صحة لا يكدرها سقم، أو سرورا لا ينغصه حزن، أو راحة لا يخالطها تعب، أو اجتماعا يعقبه افتراق، أو أمانا لا يلحقه خوف، ففي عالمنا اليوم تطور العلم وتقدم الطلب، ومع ذلك فشت الأمراض واستعصت، أمراض لم نكن نعهدها، وبلايا لم نكن نعرفها، ولم يكن هذا الأمر سهوا، ولا قدر عبثا، وإنما هي سنن ربانية ثابتة، ولولا الليل لما عُرف قدر النهار ولولا المرض لما عُرف قدرالصحة والعافية وأهل الجنة يفرحون ويزداد فرحهم عندما يتفكرون في آلام أهل النار بل إن من نعيم الجنة رؤية اهل النار وما هم فيه من عذاب، والمرض تهذيب للنفوس وتصفية لها من الشر الذي فيها، وقد قال تعالى “وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم وويعفوا عن كثير” فإذا أصيب العبد فلا يقل من اين هذا.
ولا من أين أتى فما أصيب إلا بذنب فقد أخرج البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما يصيب المؤمن من وصب ولا هم ولا حزن ولا اذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه” متفق عليه، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على مريض من أقاربه وهو مريض بالحمى وقال “لا بارك الله فيها ” أي الحمى ” فقال صلى الله عليه وسلم ” لا تسبوا الحمى فإنها مكفرة للذنوب والخطايا ” وقال صلى الله عليه وسلم ” لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه خطيئة ” فالمرض تكفير لسيئاتنا وخطايانا التي اقترفناها بأسماعنا وأبصارنا وألسنتنا، وسائر جوارحنا، وهذا من رحمة الله بنا أن يجعل له العقوبة على معاصينا في دنيانا، وقال صلى الله عليه وسلم ” ما اختلج عرق ولا عين إلا بذنب، وما يدفع الله عنه أكثر ”
والاختلاج هو الحركة والإضطراب، وتعجيل العقوبة للمؤمن في الدنيا خير له من عقوبة الآخرة حتى تكفر عنه ذنوبه، وعن أنس قال، قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ” إذا أردا الله بعبد الخير عجل له العقوبة في الدنيا، وإذا أراد الله بعبده الشر أمسك عنه بذنبه حتى يوافي به يوم القيامة ” رواه الترمذي، وعن ابن مسعود رضى الله عنه قال، قال رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ” ما من مسلم يصيبه أذى من مرض فما سواه إلا حط الله بها سيئاته كما تحط الشجرة ورقها ” رواه البخاري، ومن الناس من له ذنوب وليس له ما يكفرها فيبتليه الله بالحزن والمرض لتصفيته وتنقيته من الذنوب إن صبر واحتسب، فعن السيدة عائشة رضى الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال طرقه وجع فجعل يشتكي ويتقلب على فراشه فقالت له السيدة عائشة لو صنع هذا بعضنا لوجدت عليه فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” إن الصالحين يشدد عليهم وإنه لا يصيب مؤمنا نكبة من شوكة فما فوق ذلك إلا حطت عنه بها خطيئة ورفع له بها درجة “