الدكرورى يكتب عن نبي الله داود عليه السلام ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
نبي الله داود عليه السلام ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع نبي الله داود عليه السلام، وقد حكم نبى الله داود عليه السلام في بني إسرائيل وقضى بينهم في الخصومات، فكان الحاكم العادل والقاضي الفاصل، وقد ذكر الله تعالى في القرآن الكريم من قصص حكمه وقضائه قصتين، فقال الله تعالى فى سورة ص ” وهل أتاك نبأ الخصم إذ تسوروا المحراب، إذ دخلوا على داوود ففزع منهم قالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض فاحكم بيننا بالحق ولا تشطط واهدنا إلى سواء الصراط، إن هذا أخى له تسع وتسعون نعجة ولى نعجة واحدة فقال أكفلنيها وعزنى فى الخطاب، قال لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه وإن كثيرا من الخلطاء ليبغى بعضهم على بعض إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وقليل ما هم وظن داوود أنما فتناه فاستغفر ربه وخر راكعا وأناب، فغفرنا له ذلك وأن له عندنا لزلفى وحسن مآب، يا داوود إنا جعلناك خليفة فى الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب ”
وفي هذه الآيات الكريمة بعض التنبيهات، وهو أنه يجب علينا أن نعتقد أن عصمة الأنبياء الكرام تقضي بعدم صحة ما ورد في بعض كتب التفسير والتاريخ من قصة المرأة مع نبى الله داود عليه السلام، فإن ذلك المنسوب إليه معيب في حق أدنى المؤمنين فضلا عن الأنبياء والمرسلين، وأما عن قصة القائد المزعومة فإن أهل الإيمان والأخلاق العالية يتنزهون عن هذا الفعل الدنيء من النظر الحرام إلى المرأة، ثم تدبير حيلة التخلص من زوجها، وهي حيلة لقتل لبريء وتخلص من صاحب مساعد، فإذا كان هذا لا يليق بهؤلاء فكيف بنبي أثنى الله تعالى عليه؟ وإن الخصومة التي حكتها الآيات خصومة حقيقية، وادعاء أنهما ملكان ليس عليه دليل، والأصل حمل الأشياء على حقيقتها حتى يقوم دليل صحيح ينفي الحقيقة.
وأن مثل ذلك يقال في معنى النعجة، فالمعنى الحقيقي لها معروف أنه في الغنم، وصرفه إلى المرأة معنى مجازي لم يقم عليه دليل، والقاعدة المطردة حمل الشيء على حقيقته حتى يقوم دليل على إرادة المجاز، وأن سبب فزع داود عليه السلام، هو مجيئهما من غير الباب، فظن أنهما أرادا به سوء حينما تسورا المحراب، وإن القول بأن ذنب داود عليه السلام هو سماعه من الخصم الأول دون سماع الثاني غير صحيح، فإن هذا يطعن في عدل أي قاض، فكيف بنبى الله داود عليه السلام، الذي أثنى الله تعالى عليه بالعدل وحسن القضاء، ولم يذكر الله تعالى ما هو ذنب داود عليه السلام الذي استغفر منه، لذلك لا داعي للخوض في الحدس والظنون للبحث عن ذلك، وتحميلِ الآيات ما لا تحتمل, والتوبة ليست مقصورة على التوبة من الذنب.
بل التوبة قد تكون من البعد عن ذكر الله تعالى مدة من الزمن كما يقول الخارج من الخلاء “غفرانك” وقد تكون التوبة من التقصير في الطاعة، كما قيل “حسنات الأبرار سيئات المقربين”و قال بعض المفسرين “وهذا الذنب الذي صدر من نبى الله داود عليه السلام، لم يذكره الله لعدم الحاجة إلى ذكره، فالتعرض له من باب التكلف، وإنما الفائدة ما قصه الله علينا من لطفه به وتوبته وإنابته، وأنه ارتفع محله، فكان بعد التوبة أحسن منه قبلها” وأما عن القصة الثانية في قوله تعالى فى سورة الأنبياء ” وداود وسليمان إذ يحكمان فى الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين، ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ” وتحكي هاتان الآياتان خبر حادثة عدت فيها غنم أحد الخصمين في الليل على زرع الخصم الآخر.
فاحتكما إلى داود عليه السلام، فكان حكم داود أن تدفع الغنم إلى صاحب الزرع، لسبب اقتضى عنده ترجيح ذلك، ولعل السبب أن ثمن تلك الغنم يساوي ثمن ما أتلفت من الحرث، فكان ذلك حكما عادلا في تعويض ما أتلف، وأما حكم سليمان عليه السلام، فكان أن رأى أن تدفع الغنم لأصحاب الحرث مدة عام كامل، كي ينتفعوا من ألبانها وأصوافها ونسلها ويدفع الحرث إلى أصحاب الغنم ليقوموا بإصلاحه، فإذا كمل الحرث ورجع إلى حالته الأولى عاد إلى كل فريق ماله، فرجع داود إلى حكم سليمان ابنه لأنه أرفق بالخصمين، وإن كان قضاء داود صحيحا، إذ الأصل في الغرم أن يكون تعويضا ناجزا، ولذلك أثنى الله عليهما فقال ” وكلنا آتينا حكما وعلما ” وأن هناك قصة ثالثة في قضاء نبى الله داود عليه السلام، قريبة من القصة السابقة لم تذكر في القرآن.