الدكروري يكتب عن الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع الصبر لا يصمد له إلا الخاشعون، فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه وما هذا الانين؟ قال هذه زوجتي تتوجع من الم الولاده، فقال وهل عندكم من يتولى رعايتها وتوليدها؟ قال لا انا وهي فقط، فقال عمر وهل عندك نفقة لإطعامها؟ قال لا، قال عمر انتظر انا سآتي لك بالنفقة ومن يولدها، وذهب عمر بن الخطاب الى بيته وكانت فيه زوجته السيدة ام كلثوم بنت علي بن ابي طالب، فنادى يا ابنة الاكرمين هل لك في خير ساقه الله لك؟ فقالت وما ذاك؟ قال هناك مسكينة فقيرة تتألم من الولادة في طرف المدينة، فقالت هل تريد ان اتولى ذلك بنفسي؟ فقال قومي يا ابنة الاكرمين واعدي ما تحتاجه المرأة للولادة ، وقام هو بأخذ طعام و لوازم الطبخ وحمله على رأسه وذهبا، وقد وصلا الى الخيمة ودخلت السيدة ام كلثوم لتتولى عملية الولادة.
وجلس عمر بن الخطاب مع الرجل خارج الخيمة ليعد لهم الطعام، وخرجت ام كلثوم من الخيمة تنادي، يا أمير المؤمنين اخبر الرجل ان الله قد اكرمه بولد وان زوجته بخير، فعندما سمع الرجل منها يا امير المؤمنين تراجع الى الخلف مندهشا فلم يكن يعلم ان هذا عمر بن الخطاب، فضحك عمر وقال له اقرب، أقرب، نعم انا عمر بن الخطاب والتي ولدت زوجتك هي ام كلثوم ابنة علي بن ابي طالب، فخرّ الرجل باكيا وهو يقول آل بيت النبوة يولدون زوجتي؟ وامير المؤمنين يطبخ لي ولزوجتي؟ فقال عمر خذ هذا وسآتيك بالنفقة ما بقيت عندنا، وإن من تأمل بعين العبرة والبصيرة، في حال الناس هذه الأيام، وما هم فيه من امتحانات ومحنة، وكلهم ينتظر انفراج هذه الأيام وانتهائها، وإن من تأمل ذلك علم أن هذه الدنيا لا يستقر حالها على سعة ورخاء دائم.
وإنما هي ابتلاء وامتحان، وفرج وشدة، وكل إنسان في هذه الدنيا تمر به محن وبلايا، ومصائب ورزايا، بينما هو في رخاء إذ نزلت به شدة، وبينما هو في عافية وسعة إذ فجأه مرض وسقم، أو لعله كان في سعة رزق ورخاء ثم يبتلى بفقر مدقع أو دين مضلع، آلام تضيق بها النفوس، ومزعجات تورث الخوف والجوع، فكم ترى من مبتلى يشكو مرضه وأب يلوم عقوق ولده وأم ثكلى تبكي فقيدها كم ترى ممن بارت تجارته وكسدت صناعته وآخر قد ضاع جهده، ولم يدرك مرامه تلك هي الدنيا تضحك وتبكي، وتشتت وتجمع، إنها دار غرور لمن اغتر بها، وهي عبرة لمن اعتبر بها، وهي دار صدق لمن صدق فيها، فقال تعالى فى سورة الحديد ” لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور ” وإن في البلاء تقوية الإيمان بالقضاء والقدر
فما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو ملك لله عز وجل، وما من شيء يحدث في ملكه إلا بمشيئته وإرادته فبيده الملك، وبيده مقاليد السماوات والأرض، وما من شيء يحدث من رخاء أو شدة، أو خوف أو أمن، أو صحة أو مرض، أو قلة أو كثرة، فكل ذلك بمشيئته سبحانه وتعالى، والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي لا يتم الإيمان إلا بها، فإذا أصاب الانسان ابتلاء علم أن ذلك بقضاء الله وقدره، وإن في البلاء تمحيصا للمؤمن وتخليصه من الشوائب المنافية للإيمان، فالبلايا والمحن هي المحك الذي يكشف عما في القلوب ،وتظهر به مكنونات الصدور، وينتفي بها الزيف والرياء ، وتنكشف به الحقيقة بكل جلاء، وأن في البلاء ردعا وتحذيرا من الغرور، فالعقوبة العاجلة على ما اقترفه الإنسان أو الأمة من معاصي.
تقتضي حكمة المولى عز وجل أن تعجل عقوبتها حيث إن فيها ردعا وتحذيرا وعبرة، لهم ولغيرهم من الأفراد والجماعات، وإن الابتلاء وسيلة للتمكين في الأرض، فقيل للشافعي رحمه الله يا أبا عبد الله، أيهما أفضل للرجل أن يمكن أو يبتلى؟ فقال الشافعي لا يمكن حتى يبتلى، فإن الله تعالى ابتلى نوحا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدا صلوات الله عليهم أجمعين فلما صبروا على الابتلاء مكنهم فلن يمكن المسلمون في الأرض إلا بعد أن يبتلوا ، ليميز الله الخبيث من الطيب والصادق من الكاذب، وأن في البلاء رحمة بالعصاة والتخفيف عنهم يوم القيامة، فمن حكمة الابتلاء بالعقوبة أن يعجل الله للمذنب عقوبته فتأتيه في الدنيا تخفيفا عنه يوم القيامة، وإن في البلاء إقامة حجة العدل على العباد فيعلم العبد المبتلى أن لله عز وجل عليه الحجة البالغة.