الدكرورى يتكلم عن عمر بن عبد العزيز ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عمر بن عبد العزيز ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع عمر بن عبد العزيز، وعندما تولى سليمان بن عبدالملك الخلافة استعان بعمر مستشارا ومعاونا ووزيرا له، وعندما حضرته الوفاة أوصى له بالخلافة من بعده، لما رآه فيه من القدرة والكفاءة والتقوى والصلاح، والميل إلى الحق والعدل ليتولى عمر بن عبد العزيز الخلافة سنة تسعة وتسعين هجريا ويكون ثامن الخلفاء الأمويين وخامس الخلفاء الراشدين، وعند اقتراب وفاة سليمان سأل من يُولى بعدى؟ ابنه صغير والآخر ضائع، فقال له مساعده رجائى لا أرى أفضل من عمر، فولى عمر وكتب ذلك وأحضر بني عمومته، قال لهم بايعوا من كتبت في الكتاب فأخذوا يتكلمون من هذا الذى كتبه قال بايعوه، فبايعوه وذهبوا لرجائى يسألونه هل وضعت اسمى؟ ويسألونه من هو؟ وهو لا يتكلم، وبعد الوفاة علموا أنه عمر بن عبد العزيز عندما فتح رجاء الخطاب.
وقرأ إني قد وليت عليكم عمر بن عبد العزيز، سمع الناس بكاء في المسجد فإذا به عمر يبكى حتى سقط على الأرض ويقول “والله ما أردتها” وفى أول يوم للخلافه جمع أبناء العمومة وقال أنا الآن أميركم ولي السمعُ والطاعة، فارجعوا كل مابأيديكم إلى بيت المال، فقالوا إنها ملكنا، قال لا، هي أملاك المسلمين فغضبوا وأخذها منهم بالقوة، ونادى في الناس عندما وجد بعضهم لا يريد “من كان له حق عند أمير أو والي أو رجل من بني أمية فليأتي ولياخذ حقه” وكان الخليفة عمر بن عبدالعزيز إداريا عظيما، يمتلك من الكفاءة والمواهب والصفات ما جعله من أعظم الحكام فى التاريخ، وحمل كثيرا من صفات جده عمر بن الخطاب كحاكم وخليفة للمسلمين، فكان تقيا ورعا زاهدا، فجدد الأمل فى النفوس بإمكانية عودة حكم الخلفاء الراشدين، وقد استطاع عمر بن عبدالعزيز.
خلال عامين وبضعة أشهر هى مدة توليه الخلافة أن يقود الدولة الإسلامية لتكون من أعظم الدول، فعم الرخاء وانتشر العدل وفرض هيبتها وسيطرتها وسلطانها ليعيد الأمن والاستقرار، بعد أن مرت بفترات عاصفة وأوقات حرجة، وفتن مظلمة، فاستأنف الفتوحات الإسلامية، وضمت الدولة إلى أراضيها بقاعا شاسعة فى الشرق والغرب، وتولى عمر بن عبد العزيز منصبه وجيوش مسلمة بن عبد الملك تحاصر القسطنطينية عاصمة الدولة البيزنطية، فكان استقرار الدولة من أسباب ظهور أثر إصلاحات عمر، وسياسته الحكيمة، وإدارته العادلة، وكانت الدولة الإسلامية خلال هذه الفترة عامرة بالكفاءات الذين يجمعون بين الصلاح والكفاءة، فاستطاع عمر أن يقوم بهذه الإصلاحات العظيمة ويرسى أركان دولته العظمى فى هذه الفترة القصيرة.
واستفاد عمر بن عبدالعزيز بالفترة التى قضاها واليا على المدينة، واكتسب خبرات عظيمة فى الإدارة، ورأى عن كثب كيف تدار الدولة، فلما تولى الخلافة كان لديه من الخبرة والتجربة ما يعينه على تحمل المسؤولية ومباشرة مهام الدولة، وحمل بن عبدالعزيز الكثير من صفات جده ابن الخطاب فى العدل والورع والحرص على المال العام والترفع عن مباهج الحكم والسلطة، وكان يختار ولاته بعد تدقيق شديد، فكان منهم العالم الفقيه، والسياسى البارع، والقائد الفاتح، وكان ابن عبدالعزيز لا يكتفى بحسن الاختيار، بل كان يتابع ويراقب ولاته، ورغم أنه أخذ نفسه بالشدة والتقشف، وألزم نفسه بالحياة الخشنة، إلا أنه لم يلزم ولاته بذلك، بل وسّع عليهم فى العطاء، وفرض لهم رواتب جيدة تحميهم من الانشغال بطلب الرزق، وتصرفهم عن الانشغال بأحوال المسلمين.
وفى الوقت نفسه منعهم من الاشتغال بالتجارة، حتى لا يكون هناك شبهات وتجاوز فى حق الرعية حين ينشغل الحكام بأعمالهم وتجارتهم الخاصة، وعزل أهل الجور من الولاة والعمال، من ذلك عزله ليزيد بن مسلم عن أفريقية، لأنه كان قاسيا كثير القتل، يشكو منه الناس، وعرف عمر بن عبدالعزيز قيمة المال العام، ولم ينفقه إلا فيما فيه نفع الأمة، وكان حريصا أشد الحرص عليه وعلى أوجه إنفاقه، وفور توليه الخلافة أحصى القطائع والأعطيات، فبلغت نصف ما فى بيت المال أو أكثر، فصعد على المنبر وقال أما بعد فإن الخلفاء قد أعطونا عطايا ما كان ينبغى لنا أن نأخذها، وما كان ينبغى لهم أن يعطوناها وإنى قد بدأت بنفسى وأهل بيتى، وضم أمواله وأموال زوجته فاطمة بنت عبدالملك بن مروان وجهازها إلى بيت مال المسلمين، حتى إنه رد فص خاتم كان فى يده، أعطاه له الوليد بن عبدالملك.