الدكرورى يتكلم عن عمر بن عبد العزيز ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عمر بن عبد العزيز ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع عمر بن عبد العزيز، ورغم كل ذلك كان عمر بن عبدالعزيز يرتجف من خشية الله خوفا من أن يكون مقصرا فى حق رعيته، وقالت زوجته فاطمة دخلت يوما عليه وهو جالس فى مصلاه واضعا يده على خده ودموعه تسيل على خديه، فقلت ما لك؟ فقال ويحك يا فاطمة، إنى قد وليت من أمر هذه الأمة ما وليت، فتفكرت فى الفقير الجائع، والمريض الضائع، والعارى المجهود، واليتيم المكسور، والأرملة الوحيدة، والمظلوم المقهور، والغريب، والأسير، والشيخ الكبير، وذى العيال الكثير والمال القليل، وأشباههم فى أقطار الأرض وأطراف البلاد، فعلمت أن ربى عز وجل سيسألنى عنهم يوم القيامة، وأن خصمى دونهم محمد صلى الله عليه وسلم.
فخشيت أن لا تثبت لى حجة عند خصومته، وحين تولى عمر بن عبدالعزيز الخلافة كانت الدولة الأموية بلغت أقصى اتساع لها فى الشرق والغرب، وكانت جيوشها تضيف للدولة بقاعا جديدة، فكان من أهم أولوياته إعادة تنظيم الدولة من الداخل، والاهتمام بالإنسان ومراعاة حقوقه، واهتم بنشر الإسلام فى البلاد التى فتحت أكثر من الاهتمام بالفتح نفسه، فحرص على إرسال الدعاة والعلماء أكثر من عنايته بإرسال الجيوش والحملات، ورشد حركة الفتوحات ووجّه هذه الأموال إلى العناية بالإنسان، وهذا يفسر أمره برجوع جيش مسلمة بن عبدالملك الذى كان يحاصر القسطنطينية، فأشفق على الجيش المنهك، كما أن عمره القصير فى الخلافة، وانشغاله بالإصلاح الداخلى.
لم يتح له القيام بفتوحات كثيرة، ومن أهم الأعمال التى اهتم وقام بها عمر بن عبدالعزيز أن الدولة الإسلامية فى عهده تبنت تدوين السنة رسميا، فأرسل إلى الأمصار يأمر العلماء بجمع الأحاديث وتدوينها، وكتب لأهل المدينة انظروا حديث رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فاكتبوه، فإنى خفت دروس العلم، وذهاب أهله، فظهرت المصنفات الكبرى فى الحديث وتنوعت مناهجها، لتبقى كتب السنة النبوية ينتفع بها المسلمون عبر الأجيال حتى الآن، فكانت أيام عمر بن عبد العزيز، رغد ونعيم وكان يوزع الزكاة على الناس، وكان ينفق كل ما في بيت المال للمؤمنين، ثم يغسل بيت المال ويصلى ركعتين شكر لله، فهذا هو عمر حتى أنهم قالوا له ياعمر ليس في البلاد فقير فقال سددوا عن الناس ديونهم.
قالوا فعلنا، لم يعد أحد يقبل المال، المال فاض ويزيد، قال أعطوا لكل محتاج أو مقعد أو أعمى، أعطوه خادم وخصصوا له راتب من بيت المال ففعلوا وفاضت الأموال، قال من كان يحتاج زواج زوجوه ، فعلوا وفاض ، قال أسسوا من كان محتاج تأسيسا في بيته، وحتى قيل أنه كان راتبه هو درهمين فقط وفي يوم ذهب لفاطمة قال أعندك درهم ، فبحثت وقالت لا ولم؟ قال نظرت في السوق فرأيت عنبا فاشتهيته، فبكت وقالت أنت أمير المؤمنين وتشتهي عنب، قال “هذا أهون على من معانقة الأغلال يوم القيامة” ولقد اختلفت الروايات والأقوال في سبب وفاة أمير المؤمنين عمر بن عبد العزيز، فقيل إن سبب وفاته مرض السل، وقيل إن مولى له دس له السم في طعامه.
مقابل مبلغ مالي دفع له من أعداء عمر بن عبد العزيز، وقد سُم الخليفة الأموي عمر بن عبد العزيز في حمص في دير سمعان ومرض عشرين يوما ثم مات سنة مائة وواحد من الهجرة، وتذكر الروايات أن بني أمية كانوا وراء السم الذي دُس لعمر بن عبد العزيز، فقد سئموا من سياسته في الحكم، هذه السياسة التي أدت إلى حرمانهم من ملذاتهم ومن حياة الترف التي كانوا يعيشونها في فترة الخلفاء الأمويين من قبل، أما في عهد عمر فلم يعد لهم شأن ولا مكانة دون سائر الناس، حيث ساوى عمر بن عبد العزيز بين الناس تماما، والله تعالى أعلم، وفي النهاية توفى أمير المؤمين الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضى الله عنه فى شهر رجب عام مائة وواحد من الهجرة.
عد مرضه لمدة عشرين يوما، عن عمر ناهز أربعين سنة، وقيل إن روحه صعدت إلى بارئها وهو يقرأ قول الحق سبحانه وتعالي ” تلك الدار الآخره نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا والعاقبة للمتقين”.