أمامة بنت أبي العاص بن الربيع “جزء 2”

الدكرورى يكتب عن أمامة بنت أبي العاص بن الربيع “جزء 2”

بقلم / محمــــد الدكـــرورى

أمامة بنت أبي العاص بن الربيع “جزء 2”

ونكمل الجزء الثاني مع أمامة بنت أبي العاص بن الربيع، وخرج أبو العاص في غزوة بدر مع المشركين، لمحاربة النبي صلى الله عليه وسلم، ولما أسر بعدها، بعث أهل مكة في فداء أسراهم وبعثت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، في فداء أبي العاص بمال، وبعثت فيه بقلادة لها كانت السيده خديجة أدخلتها بها على أبي العاص حين بنى عليها، فلما رآها رسول الله صلى الله عليه وسلم، رق لها رقة شديدة وقال “إن زينب بعثت بهذا المال لافتداء أبي العاص، فإن رأيتم أن تطلقوا لها أسيرها وتردوا عليها مالها فافعلوا ” فقالوا “نعم، ونعمة عين يا رسول الله ” وكان ذلك غير أن النبي صلى الله عليه وسلم، قد اشترط على أبي العاص قبل إطلاق سراحه أن يسير إليه ابنته زينب من غير إبطاء، فما كاد أبو العاص يبلغ مكة حتى بادر إلى الوفاء بعهده.

فأمر زوجته بالاستعداد للرحيل، وأخبرها بأن رسل أبيها ينتظرونها غير بعيد عن مكة، وأعد لها زادها وراحلتها، وندب أخاه عمرو بن الربيع لمصاحبتها وتسليمها لمرافقيها يدا بيد، وقد تنكب عمرو بن الربيع قوسه، وحمل كنانته، وجعل زينب في هودجها، وخرج بها من مكة جهارا نهارا على مرأى من قريش، فهاج القوم وماجوا، ولحقوا بهما حتى أدركوهما غير بعيد، وروعوا زينب وأفزعوها، وعند ذلك وتر عمرو قوسه، ونثر كنانته بين يديه، وقال “والله لا يدنو رجل منها إلا وضعت سهمها في نحره” وكان راميا لا يخطئ له سهم، فأقبل عليه أبو سفيان بن حرب، وكان قد لحق بالقوم، وقال له “يا بن أخي، كف عنا نبلك حتى نكلمك” فكف عنهم، فقال له “إنك لم تصب فيما صنعت فلقد خرجت بزينب علانية على رؤوس الناس، وعيوننا ترى وقد عرفت العرب جميعها.

أمر نكبتنا في “بدر” وما أصابنا على يدي أبيها محمد، فإذا خرجت بابنته علانية، كما فعلت، رمتنا القبائل بالجبن ووصفتنا بالهوان والذل، فارجع بها، واستبقها في بيت زوجها أياما حتى إذا تحدث الناس بأننا رددناها فسلها من بين أظهرنا سرا، وألحقها بأبيها، فما لنا بحبسها عنه حاجة” فرضي عمرو بذلك، وأعاد زينب إلى مكة ثم ما لبث أن أخرجها منها ليلا بعد أيام معدودات، وأسلمها إلى رسل أبيها يدا بيد كما أوصاه أخوه، وأقام أبو العاص في مكة بعد فراق زوجته زمنا، حتى إذا كان قبيل الفتح بقليل، خرج إلى الشام في تجارة له، فلما قفل راجعا إلى مكة ومعه بعيره التي بلغت مئة بعير، ورجاله الذين نيفوا على مئة وسبعين رجلا، برزت له سرية من سرايا الرسول صلى الله عليه وسلم، قريبا من المدينة، فأخذت العير وأسرت الرجال.

ولكن أبا العاص أفلت منها فلم تظفر به، فلما أرخى الليل سدوله واستتر أبو العاص بجنح الظلام، ودخل المدينة خائفا يترقب، ومضى حتى وصل إلى زينب، واستجار بها فأجارته، و لما خرج الرسول صلى الله عليه وسلم، لصلاة الفجر، واستوى قائما في المحراب، وكبر للإحرام وكبر الناس بتكبيره، صرخت زينب من صفة النساء وقالت “أيها الناس، أنا زينب بنت محمد، وقد أجرت أبا العاص فأجيروه، فلما سلم النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، من الصلاة، التفت إلى الناس وقال” هل سمعتم ما سمعت؟ قالوا نعم يا رسول الله، فقال ” والذي نفسي بيده ما علمت بشيء من ذلك حتى سمعت ما سمعتموه، وإنه يجير من المسلمين أدناهم ” ثم انصرف إلى بيته ” وقال النبى صلى الله عليه وسلم، لابنته زينب ” أكرمي مثوى أبي العاص، واعلمي أنك لا تحلين له.

” ثم دعا رجال السرية التي أخذت العير وأسرت الرجال وقال لهم ” إن هذا الرجل منا حيث قد علمتم، وقد أخذتم ماله، فإن تحسنوا وتردوا عليه الذي له، كان ما نحب، وإن أبيتم فهو فيء الله الذي أفاء عليكم، وأنتم به أحق” فقالوا “بل نرد عليه ماله يا رسول الله” فلما جاء لأخذه قالوا له “يا أبا العاص، إنك في شرف من قريش، وأنت ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصهره، فهل لك أن تسلم، ونحن ننزل لك عن هذا المال كله فتنعم بما معك من أموال أهل مكة وتبقى معنا في المدينة؟ فقال “بئس ما دعوتموني أن أبدأ ديني الجديد بغدرة ” ومضى أبو العاص بالعير وما عليها إلى مكة فلما بلغها أدى لكل ذي حق حقه، ثم قال يا معشر قريش هل بقي لأحد منكم عندي مال لم يأخذه؟ قالوا “لا وجزاك الله عنا خيرا، فقد وجدناك وفيا كريما”

قال “أما وإني قد وفيت لكم حقوقكم، فأنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، والله ما منعني من الإسلام عند محمد في المدينة إلا خوفي أن تظنوا أني إنما أردت أن آكل أموالكم، فلما أداها الله إليكم، وفرغت ذمتي منها أسلمت ” ثم خرج حتى قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأكرم وفادته ورد إليه زوجته، وكان يقول عنه “حدثني فصدقني، ووعدني فوفى لي” وتوفي أبو العاص بن الربيع فى السنة الثانيه عشر للهجره، أى بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، بسنة واحدة، وقد ولدت السيده أمامة في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وكانت السيده أمامه قد توفيت أمها السيده زينب وهي صغيرة فى عام ثمانيه من الهجره، لتعيش بكفالة جدّها النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أحبها كثيرا، وكان يخصّها بالهدايا.