الدكرورى يكتب عن نائلة بنت الفرافصة الكلبية “جزء 1”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نائلة بنت الفرافصة الكلبية “جزء 1”
السيده نائله بنت الفرافصه، هى امرأة لم تكن من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما، ولكنها نهلت من معين أحد صحابته كزوجة لعثمان بن عفان وحبيبة له، فكانت بجانبه يوم شدته، ودافعت عنه بجسدها حتى قطعت أصابعها، إنها صورة لحب قلَّ نظيره في زماننا، بل ووفاء نادر لزوج حبيب بقي خالدا في ذكرى نائلة بنت الفرافصة، إذ بعد وفاة عثمان بن عفان رضي الله عنه، خطبها معاوية بن أبي سفيان فرفضته، وقالت حين سُئلت عن سبب رفضها قولا شهيرا، إني رأيت الحزن يبلى كما يبلى الثوب، وإني خفت أن يبلى حزني على عثمان، فيطلع مني رجل على ما اطلع عثمان، وذلك ما لا يكون أبدا، إنها السيده نائلة بنت الفرافصة بن الأحوص بن عمرو الكلبية، زوج أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضى الله عنه، وكانت خطيبة وشاعرة.
من أصحاب الرأي والشجاعة، ويقال لم يكن في النساء أحسن منها مضحكا، وقد أسلمت بعد أن أسلم أخوها ضبّ، وبقي أبوها على النصرانية، وكانت أختها هند زوج سعيد بن العاص الذي بعث إلى أبيها الفرافصة أن أمير المؤمنين عثمان يخطب ابنتك نائلة فزوجها إياه، فقال الفرافصة لابنه ضبّ زوجها أمير المؤمنين فإنك على دينه، فزوجها أخوها، ومهرها عثمان رضى الله عنه عشرة آلاف درهم، فقال الأب لابنته لمّا زفها إلى أمير المؤمنين إنك تقدمين على نساء من قريش هن أقدر على العطر منك، فلا تغلبي على الكحل والماء، ولمّا حملت نائلة من بادية السماوة إلى المدينة إلى أمير المؤمنين حزنت لفراق أهلها، وفي دار عثمان بن عفان كانت تسكن امرأة من بني كلب، أحد أشهر بطون العرب في الفصاحة والبلاغة، ولم تكن فصاحة قومها.
تقتصر على رجالهم بل شملت نساءهم أيضا، وقد خطبها عثمان بن عفان رضي الله عنه، فحملها أهلها له، وحين اجتمع بها رفع قلنسوته عن رأسه فظهر الصلع فيه، فقال لها يا بنت الفرافصة، لا يهولنك ما ترين من صلعي، فإن تحته ما تحبين، فأمسكت عن الكلام، فبادرها بقوله إما تقومي إليَّ، وإما أن أقوم إليك، فقالت أما ما ذكرت من الصلع فإني من نساء أحب بعولتهن إليهن السادة الصلع، وأما قولك إما أن تقومي إليَّ، وإما أن أقوم إليك، فوالله إن ما تجشمته من قطع الصحراء الواسعة والسفر الطويل، لأبعد مما بيني وبينك، بل أقوم إليك، فقامت وجلست إلى جواره، فمسح على رأسها ودعا لها بالبركة، فبوركت بفضل من الله عز وجل، فقد جعل كرم عثمان بن عفان وحنانه في قلبها مودة ورحمة له، تهبها المرأة المسلمة لزوجها حين يزرع الزوج.
نبتة الحب في قلبها، وقد أنجبت نائلة بنت الفرافصة لعثمان بنتا، وقيل بنتا وولدا، وكانت له طيلة حياتها معه الزوجة المطيعة الحانية، حتى وصل الطوفان إلى المدينة قادما من البصرة والفسطاط، يحمل معه آلافا من الغوغاء الذين تأبطوا الشر بسيوفهم يريدون قتل الخليفة عثمان بن عفان، فحاصروا بيته ونائلة معه تشد من عزيمته، وتؤنس وحدته، حتى إذا خشي الرعاع من المحاصرين قدوم جيش من الشام لإنقاذ الخليفة المحاصر، قفزوا على داره لا يألون لبيته حرمة، ولا لصحبته مكانة، ولا لفضائله ذكرا في نفوسهم الآثمة، فقرروا قتله وهو صائم يقرأ القرآن، عندها أرادت نائلة بنت الفرافصة أن تمنع دخولهم إلى حرمة منزلها، فنشرت شعرها ظنا منها أن في قلوبهم بضعا من إيمان وغض طرف يصون عليهم دينهم، لكن عثمان بن عفان رضي الله عنه.
منعها في قوله لها خذي خمارك، فلعمري لدخولهم عليَّ أهون من حرمة شعرك، فلم يكن من نائلة وهي ترى السيوف تقترب من زوجها الحبيب إلا وضع يديها لتتقي السيف عن عثمان، فقطع السيف أصابعها ومضى في بطن الخليفة الراشدي الثالث، وزوجته تحاول صد السيوف عن جسده حتى قتل، فخرجت نائلة بنت الفرافصة تجمع شعث همومها في موكب دفنه عند أطراف البقيع، حيث وارى الثرى رضي الله عنه وأرضاه وكفاه ببطشه ما فعلته الغوغاء فيه، ثم قامت نائلة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبلت القبلة بوجهها، ووجهت إحدى نسوتها تستنهض الناس حتى إذا اجتمعوا قامت فحمدت الله وأثنت وصلت على رسول الله، ثم قالت عثمان ذو النورين قتل مظلوما بينكم بعد الاعتذار، وإن أعطاكم العتبى معاشر المؤمنة وأهل الملة.
لا تستنكروا مقامي ولا تستكثروا كلامي فإني حرّى عبرى، رزئت جليلا وتذوقت ثكلا من عثمان بن عفان، ثالث الأركان من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقام يمدكم بالرأي ويمنعكم بالأدنى، يصفح عن مسيئكم في إساءته، ويقبل من محسنكم بإحسانه، ويكافيكم بماله، ضعيف الانتصار منكم، فاستلنتم عريكته حين منحكم محبته، فحين فقدتم سطوته وأمنتم بطشه ورأيتم أن الطرق قد انشعبت لكم والسبل قد اتصلت بكم ظننتم أن الله يصلح عمل المفسدين، فعدوتم عدوة الأعداء، وشددتم شدة السفهاء على النقي التقي الخفيف بكتاب الله عز وجل لسانا، الثقيل عند الله ميزانا، فسفكتم دمه وانتهكتم حرمه واستحللتم منه الحرم الأربع حرمة الإسلام وحرمة الخلافة وحرمة الشهر الحرام وحرمة البلد الحرام، ثم انصرفت باكية مسترجعة، وتفرق الناس مع انصرافها.