حياة القلب وسعادتة ” جزء 2″

الدكرورى يكتب عن حياة القلب وسعادتة ” جزء 2″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

حياة القلب وسعادتة ” جزء 2″

ونكمل الجزء الثاني مع حياة القلب وسعادتة، وإن ما نراه في عالمنا من تذمر وبطر وعدم الرضى بالقليل، ويقابله السخط من قدر الله والقنوط واليأس من رحمة الله والذي نتج عنه كثرة حالات الانتحار والتخلص من الحياة عن طريق إزهاق الروح لهو من الأدلة على ضعف الإيمان، وقلة اليقين وقلة اللجوء إلى من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “دخل إبراهيم قرية فيها جبار من الجبابرة، فقيل له إن ها هنا رجلا معه امرأة من أحسن الناس، فأرسل إليه فسأله عنها، فقال مَن هذه؟ قال أختي، فأتى سارة، وقال يا سارة، ليس على وجه الأرض مؤمن غيري وغيرك، وإن هذا سألني عنكي، فأخبرته أنك أختي، فلا تكذبي حديثي، فأرسل إليها، فلما دخلت إليه قام إليها.

قال فأقبلت تتوضأ وتصلي، وتقول اللهم إن كنت تعلم أني آمنت بك وبرسولك وأحصنت فرجي إلا على زوجي، فلا تسلط عليّ هذا الكافر، قال فغط حتى ركض الأرض برجله، فقال ادعي الله ولا أضرك، فدعت الله، فأطلق، ثم تناولها ثانية، فأخذ مثلها أو أشد، فقال ادعي الله ولا أضرك، فدعت، فأطلق، فدعا بعض حجبته، وقال إنكم لم تأتوني بإنسان إنما أتيتموني بشيطان، فأخدمها هاجر، فأتت إبراهيم، فقالت رد الله كيد الكافر أو الفاجر في نحره، وأخدم هاجر” رواه البخاري، وإن رسالة القلب في بث الحنان وإشاعة الرحمة في النفوس من أقدس الرسالات وأعظمها ثمرة في تحقيق السعادة وبث الأمن في النفوس وإن الذين يدعون إلى صفاء القلوب، وطهارة الضمائر، ونظافة السرائر، يعرفون جيدا أنهم لا يدعون إلى أمر سهل ميسور، فليست المسألة مقالة تكتب.

أو خطبة تلقى لأن الوعظ الطائر لا يجد جدواه إلا حين يعتمد على الأناة البصيرة، والتحليل الدقيق، ولا بد من خبرة نفسية واجتماعية معا ليرسم الهادي طريق الاهتداء، ومن دلائل هذه الخبرة ما نعرفه من أن النفس أمارة بالسوء، وأن جهادها الدائب في معركة الفضيلة لا يقل عناء عن جهاد المقاتلين في حومة النضال، وقد تجد النفس المطمئنة التي تسارع إلى الانقياد لأمور تهيأت لها من نقاء الوراثة، وصفاء البيئة، وهدوء المنزل، ولكن بجوار النفس الواحدة من هذا الطراز الممتاز نفوس شتى مارست الشر واقتنعت به وتعلمته، مارست الشر حين رأته يُحاك في بيئتها دون إنكار، فعرفت أنه سبيل مطروق لا غرابة فيه، واقتنعت به حين وجدت بعض الممارسين يصلون عن طريقه إلى ما يبتغون، في زمن انتكست فيه الأوضاع، وتقدم الذيل وتأخر الرأس.

وتعلمته مما جنت من ثمار الدس والوقيعة، حين صادفت الترحيب لدى من يحبون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين، وتنحية القلب عن أداء رسالته هي السبب المباشر لكل هذه الآفات، ونعرف جميعا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم “إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله” وهو قول يوضح الأثر القيادي للقلب ومهمته في توجيه الحياة، وبإسعادها إذا صلح، وتعاستها إذا انتكس، وقائل هذا القول حكيم مفكر درس الواقع العملي دراسة هيأته إلى تشخيص الداء وتحديد الدواء، وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم “القلوب أربعة قلب أجرد به سراج يزهر، فهو قلب المؤمن، وقلب أسود منكوس، فهو قلب الكافر، وقلب أَغلف مربوط على غلافه، فهو قلب المنافق، وقلب مُصفح فيه إيمان ونفاق، فالإيمان فيه كالبذرة يمدها الماء الطيب.

والنفاق فيه كالقرحة، يمدها القيح والصديد، فأي المادتين غلبت عليه حكم له بها” وإن القلوب محجوبة في الأضلاع، ولكن صاحب النظر الثاقب يعرفها حق المعرفة، ويعلم أنها لا تلتقي في طريق واحد، وقد كشف الرسول عليه الصلاة والسلام عنها القناع حين قسمها إلى ضروب مختلفة، تقسيما نلمسه لمسا حين نخبر الناس عن فحص دقيق، فإذا وجدت إنسانا هادئ النفس، متفتح الأسارير، يفعل الخير وينطق بالتي هي أحسن، فاعلم أنه صاحب القلب المؤمن، قلبه كالسراج الوضيء، يطرد عنه ظلمات الرجس، ويغمره بأضواء الطهر، وهو لذلك سعيد مطمئن، وإذا رأيت رجلا منقبض الأسارير دون ما داع، كز اليد والنفس، يضيق بمن يرى وما يرى ما لم يكن له فيهما مأرب، فاعلم أن بين أضالعه سوادا قاتما من الليل البهيم، فهو صاحب القلب الأسود المنكوس.