الدكروري يكتب عن صفية بنت شيبة
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
صفية بنت شيبة
السيدة صفية بنت شيبة بن عثمان بن أبي طلحة بن عبد العزى بن عبد الدار بن قصي بن كلاب، الفقيهة العالمة أم منصور، القرشية العبدرية المكية الحجبية، وكان أبوها من مسلمة الفتح، وقد روت عن النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وروت عن السيدة عائشة، والسيده أم حبيبة، والسيده أم سلمة، أمهات المؤمنين رضى الله عنهن أجمعين، وكانت السيدة أم صفية تدعى أم حجير، وكانت أمها هى أم عثمان وهي برّة بنت سفيان بن سعيد بن قَانف بن الأوقص السلمي، وقد تزوجها عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أميّة فولدت له، أبوها هو شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري القرشي.
وكان مشاركا لابن عمه عثمان بن أبي طلحة في سدانة البيت الحرام وكان يكني أبا عثمان وكان مصعب بن عمير العبدري شهيد أحد والذي أرسله النبي صلى الله عليه وسلم، بعد بيعة العقبة إلى المدينة المنورة يعلمهم الإسلام ويدعهم إليه، فكان سببا في إسلام أهل المدينة ودخولهم في دين الله أفواجا، وظل شيبة مشركا حتى يوم الفتح فأسلم مع من أسلم يومها دون اقتناع وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم،مفتاح الكعبة له ولابن عمه عثمان وقال “خذوها يابني أبي طلحة خالدة تالدة” وقيل أنه كان إسلام شيبة يوم الفتح إسلاما بغير اقتناع، وإنما غلب على أمره ولم يتمكن الإسلام من قلبه.
بل إن شيبه أراد أن يغتال النبي صلى الله عليه وسلم، بعد فتح مكة يوم غزوة حنين، ويقول شيبه عن إسلامه وكيف أراد قتل النبي صلى الله عليه وسلم، يوم حنين بعد فتح مكة وخروجه مع جيش المسلمين وهو يضمر الشر في نفسه فيقول ما رأيت أعجب مما كنا فيه من لزوم ما مضى عليه آباؤنا وأجدادنا من الضلالات ومن الانحراف عن طريق الخيرات، ولما كان فتح مكة دخل رسول الله مكة عنوة، وغزا حنين قلت أي شيبة أسير مع قريش إلى هوازن، فعسى إن اختلطوا أن أصيب من محمد صلى الله عليه وسلم، غرة وتذكرت أبي وكيف قتله حمزة بن عبد المطلب يوم أحد.
وتذكرت كذلك عمي وكيف جندله علي بن أبي طالب وجعله كأس الدابر، فقلت في نفسي اليوم أدرك ثأري من محمد، وأكون أنا الذي قمت بثأر قريش كلها، وأقول لو لم يبق من العرب والعجم أحد إلا اتبع محمدا صلى الله عليه وسلم، ما تبعته أبدا، ويقول فلما اختلط الناس اقتحم رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن بغلته، وأصلت سيفه ودنوت منه أريد ما أريد منه، ورفعت سيفي حتى كدت أسوره أي أضربه إذا رفع فيما بيني وبينه شواظ لهب لا دخان فيه من نار كأنه برق، فخفت أن يتمحشني يحرقني فوضعت يدي على بصري خوفا عليه، ومشيت القهقرى وعلمت أنه ممنوع محفوظ من الله.
والتفت إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ياشيب ” ادن مني ” فدنوت منه فوضع يده على صدري فمسح صدري ثم قال اللهم أذهب عنه الشيطان، فرفعت إليه رأسي، وهو أحب إلي من سمعي وبصري وقلبي، وأذهب الله ماكان بي، ثم قال “ياشيبة قاتل الكفار ” فتقدمت أمامه أضرب بسيفي والله يعلم أني أقيه بنفسي كل شيء ولو لقيت تلك الساعة أبي، لو كان حيا لوقعت به السيف، فجعلت ألزمه فيمن لزمه حتى انهزمت هوازن ثم رجع إلى معسكره فدخل خباءه فدخلت عليه، ما دخل عليه غيري حيا لرؤية وجهه الشريف، وسرورا به، فقال.
“الحمد لله الذي أراد بك خيرا مما أردت، ثم حدثني بما هممت به وبكل ما ضمرت في نفسي مما لم أذكره لأحد قط، فقلت أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله، ثم قلت له استغفر لي يارسول الله، قال ” غفر الله لك ” وفي رواية أخرى للقصة نفسها، يقول ابن عساكر في تاريخه فقال أي شيبة، خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم،يوم حنين، والله ما خرجت إسلاما، ولكن خرجت إبقاء أن تظهر هوازن على قريش، فوالله إني لواقف مع النبي صلى الله عليه وسلم،إذ قلت، يانبي الله إني لأرى خيلا بلقاء، فقال ” ياشيبة إنه لايراها إلا كافر، فضرب بيده صدري، فقال اللهم اهدي شيبة” وفعل ذلك ثلاثا.
فما رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم، يده عن صدري الثالثة حتى ما أجد من خلق الله أحب إلي منه، وقد توفي شيبة فى عام تسعه وخمسين من الهجره، وقد أدركت صفية عصر النبوة الخالد ونهلت من ينابيعه فكانت لها صحبة وروت عن النبي صلى الله عليه وسلم، خمسة أحاديث منها ما رواه البخاري معلقا، سمعت النبي صلى الله عليه وسلم، قال ” حرم الله مكة، فلم تحل لأحد قبلي، ولا لأحد بعدي، أحلت لي ساعة من نهار، لايختلى خلالها ولايعضد شجرها، ولاينفر صبرها، ولاتلتقط لقطتها إلا لمعرف ” وقد روي أيضا عنها قالت، أولم النبي صلى الله عليه وسلم، على بعض نسائه بمدين من شعير.
وقد وروت عن السيدة عائشة أم المؤمنين أنها قالت، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم،يتكئ في حجري وأنا حائض يقرأ القرآن، وعن صفية بنت شيبة أن عائشة رضي الله عنها كانت تقول، لما نزلت هذه الآية “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” أخذن أزرهن وهو نوع من الثياب، فشققنها من قبل الحواشي فاختمرن بها” رواه البخاري ، أو قالت ” يرحم الله نساء المهاجرات الأول لما أنزل الله “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” شققن أكثف مروطهن وهو نوع من الثياب، فاختمرن بها ” أي غطين وجوههن، وهذا الحديث صريح في النساء الصحابيات المذكورات فيه.
وقد فهمن أن معنى قوله تعالى “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن فاختمرن أي، سترن وجوههن بها امتثالا لأمر الله في قوله تعالي ” وليضربن بخمرهن على جيوبهن” المقتضي ستر الوجه ، وبهذا يتحقق المنصف، أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت السيدة عائشة رضى الله عنها على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله عز وجل في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” .
وذلك إلا من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله جل وعلا يقول “إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم” فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن، وعن صفية ما يوضح ذلك ولفظه ” ذكرنا عند السيدة عائشة نساء قريش وفضلهن فقالت ” إن نساء قريش لفضلاء، ولكنى والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، لقد أنزلت سورة النور “وليضربن بخمرهن على جيوبهن” فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها فأصبحن يصلين معتجرات كأن على رؤوسهن الغربان”
فترى السيدة عائشة رضى الله عنها مع علمها وفهمها وتقواها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقا بكتاب الله ولا إيمانا بالتنزيل، وظلت حياتها راوية علم تتعلم وتعلم حتى عاشت إلى الخلافة الأموية فيقال إنها أدركت خلافة الوليد بن عبد الملك وأنها ماتت عام تسعين من الهجره.