الدكرورى يكتب عن طليحة بن
خويلد بن الأشتر ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثانى مع طليحة
بن خويلد بن الأشتر، وروى ابن
سعد عن الكلبى وغيره أن وفد من بني أسد قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيهم حضرمى بن عامر، وضرار بن الأزور، ووابصة بن معبد، وقتادة بن القائف، وسلمة بن حبيش، وطليحة بن خويلد، ونقادة بن عبد الله بن خلف، فقال حضرمي بن عامر أتيناك نتدرّع الليل البهيم في سنة شهباء، ولم تبعث إلينا بعثا، فنزلت الآية القرآنيه فى سورة الحجرات ” يمنون عليك أن أسلموا ” فهو طليحة بن خويلد بن نوفل بن نضلة بن الأشتر الأسدى، وقد نشأ في قبيلة بني أسد وعرف بشجاعته وقوته وحنكته ومهاراته، ويروى أنه قد امتهن الكهانة في قومه قبل الإسلام، وقد شارك مع المشركين في غزوة الخندق.
ولما كان العام التاسع قدم إلى النبي الكريم صلى الله عليه وسلم مع وفد بنى أسد فأعلن إسلامه، ولما عاد إلى بلاده ارتد عن الإسلام وتنبأ حيث ادعى النبوة، فأمر النبى صلى الله عليه وسلم، ضرار بن الأزور رضي الله عنه، بالذهاب إليه وقتاله فدارت بينهما مناوشات ومعارك لم تحسم، ولما رجع وفد بني أسد تنبأَ طليحة في حياة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم بنجد، فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم ضرار بن الأزور الأَسدي ليقاتله فيمن أَطاعه، ثم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعظم أَمر طليحة، وأَطاعه الحليفان أَسد وغطفان، وكان يزعم أَنه يأتيه جبريل عليه السلام بالوحي، فأرسل إِليه أبو بكر رضي الله عنه خالد بن الوليد، فقاتله بنواحي سميراء وبُزاخة.
وكان خالد بن الوليد قد أَرسل ثابت بن أقرم وعكاشة بن محصن، فقتل طليحة أحدهما، وقتل أخوه الآخر، وكان معه عيينة بن حصن، فلما كان وقت القتال أَتاه عُيينة بن حصن، فقال هل أَتاك جبريل؟ فقال لا، فأَعاد إليه مرتين، كل ذلك يقول لا، فقال عيينة، لقد تركك أَحوج ما كنت إِليه، فقال طليحة قاتلوا عن أَحسابكم، فأَما دين فلا دين، ثم انهزم على يد جيش خالد بن الوليد في معركة بزاخة، وتفرق جنده فهرب ولحق بآل جفنة الغساسنة بالشام، إن من الثابت أن النسبة الغالبة من العرب قد ارتدت عن الإسلام بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، ولا يستطيع أحد أن يقرر على وجه الدقة هل كان الأمر فى جوهره ارتدادا عن الدين أم عكس سعيا من جانب شخصيات بارزة داخل عدد من القبائل العربية.
لمنافسة قريش على ملك العرب بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، قريش كانت حاضرة بقوة لدى واحد من أبرز مدّعى النبوة وهو مسيلمة الحنفى، أو مسيلمة الكذاب، ويذكر الرواة أن نعت الكذاب وصف به النبى صلى الله عليه وسلم اثنين من مدّعى النبوة، هما مسيلمة بن حبيب، والأسود العنسى، وكذاب اليمامة وكذاب صنعاء مثلا تهديدا حقيقيا لدولة الخلافة التى قادها أبوبكر الصديق بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، وقد بدأت إرهاصات هذا التهديد فى الظهور أواخر حياة النبى الكريم صلى الله عليه وسلم، وهى الفترة التى سطع فيها سؤال مُلحّ لدى العرب جميعا، خصوصا من دخل منهم إلى حظيرة الإسلام، وهو الحكم من بعد محمد لمن؟
وكان ادعاء النبوة عكس فى جانب منه وجها من أوجه الصراع السياسى مع قريش التى كان العرب جميعا يعلمون أنها سوف تستأثر بالأمر من دونهم جميعا بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم، لذا ظهر الطابع القبلى بشدة فى حكايات التراث حول مدّعى النبوة، ويقول ابن كثير فى البداية والنهاية، لما توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب ونجم النفاق بالمدينة وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة، والتفت على طليحة الأسدى بنو أسد وطىء وبشر كثير أيضا، وادعى النبوة أيضا كما ادعاها مسيلمة الكذاب، وعظم الخطب واشتدت الحال ونفذ الصديق جيش أسامة فقل الجند عند الصديق فطمعت كثير من الأعراب فى المدينة وراموا أن يهجموا عليها.