الجزء الحادي عشر مع طليحة بن خويلد بن الأشتر

الدكرورى يكتب عن طليحة بن

خويلد بن الأشتر ” جزء 11″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

 

ونكمل الجزء الحادي عشر مع طليحة بن خويلد بن الأشتر، وكان طليحة ممن شهد غزوة الخندق في صفوف المشركين، ثم أسلم، ثم ارتد بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتنبأ بنجد، وحارب المسلمين ثم انهزم على يد جيش خالد بن الوليد، وتفرق جنده فهرب ولحق بآل جفنة الغساسنة بالشام، وقد عاد طليحة بعد ذلك وأسلم وحسن إسلامه، ثم اتجه إلى مكة يريد العمرة في عهد أبي بكر الصديق رضوان الله عليه واستحيا أن يواجهه مدة حياته، وقد رجع فشهد القتال مع خالد بن الوليد، وكتب أبو بكر الصديق إلى خالد ان استشره في الحرب ولا تؤمره، وهذا من فقه الصديق رضوان الله عليه وأرضاه، لأن الذي جعل طليحة يدعي النبوة حبه للرياسة والزعامة.

 

ولذا سأل خالد أحد أتباع طليحة ممن أسلموا وتابوا معه، ولما جاء وسلم على عمر بن الخطاب قال له اغرب عن وجهي فإنك قاتل الرجلين الصالحين، عكاشة بن محصن وثابت بن أقرم، فقال يا أمير المؤمنين هما رجلان أكرمهما الله على يدي ولم يهني بأيديهما، فأعجب عمر بن الخطاب كلامه، وأوصى الأمراء أن يشاور ولا يولى من الأمر شيئا، وقد شهد معركة اليرموك وكذلك كانت وصية عمر بن الخطاب إلى سعد بن أبي وقاص في القادسية، فلما كان يوم أرماث قام طليحة في بني أسد يدفعهم إلى القتال وإلى الدفاع عن الإسلام والمسلمين يقول ابتدئوا الشدة، وأقدموا عليهم إقدام الليوث الحربة، فإنما سميتم أسدا لتفعلوا فعلة الأسد، ثم بارز الفرس وقادتهم وعلى رأسهم الجالينوس فقتل منهم وأصاب.

 

وفي يوم عمواس كان مقداما لا يهاب الموت، وهاجم الفرس وحده من خلفهم ثم كبر ثلاث تكبيرات ارتاع لها الفرس، فظنوا أن جيش الإسلام جاءهم من ورائهم، وفى القادسية خرج هو وعمرو بن معد يكرب وقيس بن المكشوح، للاستطلاع فأبى ان يرجع حتى يتم المهمة، واتهمه البعض بالغدر وعايروه بقتله عكاشة وصاحبه، لكنه أصر أن يكمل المهمة وحده دون عون منهم، فخاض في الماء يريد الوصول إلى معسكر رستم قائد الفرس، الذي يضم أكثر من ثمانين ألف مقاتل، وكذلك وهو يركب فرسا من خيلهم وكان يحب الخيل وأخذ يعدو به، وخرج الفرس في أثره يريدون القبض عليه أو التخلص منه، فقتل منهم اثنين من خيرة قادتهم وفرسانهم، ثم أسر الثالث وسار به حتى وصل معسكر المسلمين.

 

فدخل على سعد فقال له سعد ويحك ما وراءك؟ قال طليحة أسرته فاستخبره فاستدعى سعد المترجم، فقال الأسير أتؤمنني على دمي إن صدقتك؟ قال سعد “نعم” قال “أخبركم عن صاحبكم قبل أن أخبركم عمن قبلي” ثم راح يحدثهم عن بطولة وشجاعة طليحة النادرة، واختراقه معسكرا فيه ما فيه من الجنود والقادة، وشهد له بأنه يعدل ألف فارس، ثم أسلم هذا الأسير، وحسن إسلامه، واستفاد منه المسلمون استفادة عظيمة نظرا لخبرته بمعسكر الفرس، وقد قاتل طليحة في معركة نهاوند قتال الأبطال حتى نال الشهادة، فكان طليحة أحد كهنة بني أسد، وقد ادّعى النبوة هو الآخر في أواخر حياة النبى صلى الله عليه وسلم شأنه في ذلك شأن الأسود العنسي ومسيلمة، واستقر في بزاخة وهي ماء لبنى أسد.

 

وظهر أمره بعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم فتبعه قومه، واستقطبوا حلفاءهم من طيء والغوث ومن إليهم، وانضمّت إليه غطفان، والتفّ حوله عوام طيء والغوث وبني أسد، وكانت منازل بني أسد في نجد، وتقع إلى الشرق من ديار طيء وإلى الجنوب من منازل بكر، وإلى الشمال من ديار هوازن وغطفان، وتتاخم قبائل عبد القيس وتميم من الغرب، وبحكم هذا التجاور تحالفت هذه القبائل أو تخاصمت وفقا لتطور أوضاعها والظروف المحيطة بها، وليس واضحا ما دفع طليحة إلى التنبؤ، وربما كان للتنافس القبلي دور في ذلك بدليل قول عيينة بن حصن الذي أشرنا إليه، بالإضافة إلى انتشار ظاهرة التنبؤ في بلاد العرب، ولم يدع طليحة العرب إلى العودة لعبادة الأصنام، كما لم يدع غيره من المتنبئين إلى العودة لعبادتها.