الدكرورى يكتب عن طليحة بن خويلد بن الأشتر ” جزء ١٣”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث عشر مع طليحة بن خويلد بن الأشتر، وقد يكون من العجب أن أباه أبا عبيد الثقفى كان رجلا صالحا، واستشهد أيام أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضى الله عنه في حرب المجوس، وكذلك أخته صفية بنت أبي عبيد وكانت امرأة عبدالله بن عمر رضي الله عنهما، وكانت امرأة صالحة، وترجم لها ابن حبان في الصادقين الثقات، وأما المختار فأجمعوا على أنه رأس من رؤوس الكَذب والضلال، وقد أخذه الله تعالى على يد مصعب بن الزبير بالكوفة سنة سبع وستين من الهجرة، ثم ظهر من بعد المختار دجّالون متنبئون من هؤلاء الذين حدثنا عنهم الصادق المصدوق محمد صلى الله عليه وسلم الحارث بن سعيد الدمشقي، الذي ظهر في أيام عبدالملك بن مروان، واغتر به خلق كثير إلى أن وقع في قبضة عبد الملك بن مروان، فسجنه وقتلة.
ومثل إسحاق الأخرس الذى ظهر في خلافة أبي العباس السفاح، ومن أخباره أنه نشأ بالمغرب، وتعلم القرآن، ولم يترك علما حتى أتقنه، ثم ادعى أنه أخرس تمهيدا لدعواه النبوة، ثم رحل إلى أصفهان، ونزل بها عشر سنين، ثم زعم أن ملكين جاءاه بعد خلوة أربعين يوما، فأيقظاه وغسّلاه، وسلما عليه بالنبوة، في نبأ نقله صاحب كتاب “الدعاة” وآخر هؤلاء الأفاكين كأَولهم، وكلهم أعرق الناس ضلالا، وأسخفهم أقوالا، وأبعدهم عن العقل والفضل مجالا، وقد قطع الله دابرهم، ووقَى العالم شرورهم، ولم يبق من أخبارهم إلا نوادر وأحاديث تتفكه بها كتب الأدب والتاريخ قصدا إلى الترويح والتسلية، لكن الحكيم العليم الذي يبلو عباده بالشر والخير فتنة.
والذي جعل لكل نبى عدوا شياطين الإنس والجن يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا، ولا يزال يبتلي هذا الدين الحنيف وأهله بأرؤس من هؤلاء المخبلين، تتحرك ثم تقطع، ثم تبقى أذنابها تتلوى حينا على عمى وتخبط، إلى أن يتبعها الله أرؤسها بأيدى أولي بأس من عباده، وفي أواخر حياة النبى صلى الله عليه وسلم، قد برزت ظاهرة التنبؤ في عدد من القبائل العربية التي لم يتمكن الإسلام من نفوس أبنائها، وكان من هؤلاء أيضا هو طليحة بن خويلد الأسدى الذي ادعى النبوة دون أن يدعو إلى عبادة الأوثان وإنما اقتصرت نبوته على إنكار بعض أمور الدين الإسلامي كإنكار السجود والركوع في الصلاة وغيرها، وكان من بطولته النادرة بعد إسلامة فى معركة القادسية.
انطلاقه وحيدا إلى خلف جيوش الفرس الذين اعتقدوا أن جيش المسلمين أتوهم من الخلف فدب الرعب في قلوبهم، وقال ابن سعد في الطبقات “كان طليحة يعدّ بألف فارسٍ لشجاعته وشدته” وقد شهد من المسلمين معركة نهاوند فى السنة الحادية والعشرين للهجرة واستشهد فيها بعد أن أبلى بلاء الأبطال الشجعان، وهكذا فإن القلوب بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وهذا الحديث يؤكد أن الله سبحانه وتعالى قد يغير حال المرء من أمر إلى أمر ومن خير إلى شر، أو من شر إلى خير، ولعل هذا الحديث ينطبق على طليحة بن خويلد الأسدى، الذي دخل الإسلام في حياة النبى صلى الله عليه وسلم وارتد عنه، وصار من المتنبئين لكن شاء الله له الهداية حتى قُتل شهيدا، وبعد وفاة النبي الكريم صلى الله عليه وسلم.
قد عظم أمر طليحة بن خويلد والتف حول عدد من قبائل غطفان وأسد، ولما رأى كثرة الأتباع حوله تمادى في ادعاءاته وزعم نزول جبريل بالوحي عليه وبدأ في تأليف كلام مسجوع يزعم أنه وحي من الله، ولما تولى أبو بكر الصديق رضي الله عنه الخلافة، كان قتال المرتدين من أوائل الأعمال التي قام بها وقد هداه الله لهذا الأمر فكان أعظم الناس أجرا في إعادة الجزيرة العربية إلى الإسلام مرة أخرى، وقد أمر أبو بكر الصديق، القائد خالد بن الوليد رضي الله عنه، بالسير إلى طليحة في منطقة بُزاخة، ولما وصل خالد بن الوليد أرسل عكاشة بن محصن وثابت بن الأقرم ليستطلعا خبر القوم فظفر بهما طليحة فقتل أحدهما وقتل أخوه الآخر، وقد وقع بينه وبين خالد بن الوليد قتال فرّ طليحة على إثره وتفرق جمعه وقصد الغساسنة بالشام يحتمي بهم، وقد شاء الله تعالى أن يشرح صدر طليحة للإسلام فعاد إلى الإسلام وحسن إسلامه، وكان ذلك في خلافة أبي بكر الصديق.