الصحابي عمار بن ياسر 

الدكرورى يكتب عن الصحابي عمار بن ياسر 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

الصحابي عمار بن ياسر

إن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هم أبر الناس قلوبا وأعمقهم علما وأحسنهم خلقا، فهم الصحابه الكرام الذين كان لهم الدور الجليل الذي نهضوا به لتحرير البشرية كلها من وثنية الضمير، وضياع المصير، حقا إنهم فتية آمنوا بربهم، فزادهم الله هدى، ومعنا وقفه مع صحابي من الصحابة الكرام، وفارس من فرسان الإسلام، وأحد السابقين الأولين، الذين صبروا على العذاب المهين، وهو ينتمي للأسرة التي تحملت الجزء الأكبر من تعذيب قريش للمستضعفين، لما أشرق نور الإسلام وحاولت حجبه بمد السياط لتمزق ظهور السابقين من المستضعفين، لكن إيمانهم رضي الله عنهم مزق السياط، وكسر الأغلال، إنهم “رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه”.

فهو عمار بن ياسر بن عمار بن مالك بن كنانة بن قيس العبسي وهو صحابي جليل، كان من السابقين للإسلام حيث أسلم هو وصهيب بن سنان في دار الأرقم فكانا من أول سبعة أظهروا إسلامهم، وعمار بن ياسر صحابي كان من موالي بني مخزوم، ومن السابقين إلى الإسلام، ومن المستضعفين الذين عُذبوا ليتركوا دين الإسلام، وقيل هاجر إلى الحبشة، وكما هاجر إلى يثرب، وشارك مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزواته كلها، كما شارك بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في حروب الردة، وقطعت أذنه في معركة اليمامة، وقد ولاه عمر بن الخطاب على الكوفة ثم عزله، وشارك في آخر عمره إلى جانب علي بن أبي طالب في حربه مع معاوية بن أبي سفيان إلى أن قتل في وقعة صفين، وكان عمار رضي الله عنه آدم طويلا مضطربا أشهل العينين، بعيد ما بين المنكبين، وكان لا يغير شيبه وقيل عنه كان أصلع في مقدم رأسه شعرات.

وكانت أمه سمية بنت الخياط، وهى أول شهيدة في الإسلام، وقد هاجر إلى المدينة وشهد بدرا والمشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، و شهد مع الإمام علي بن أبي طالب موقعة الجمل ومعركة صفين وقتل يوم صفين وله إحدى وتسعون سنة وقيل أربع وتسعون عام سبعه وثلاثون من الهجره، ويعتبر عمار بن ياسر من المسلمين الأوائل، الذين أسلموا بدار الأرقم، التي سميت باسم دار الإسلام، وقد سار عمار إلى تلك الدار بعد فترة وجيزة من سماعه بخبر النبي صلى الله عليه وسلم ونبوته، حيث أسلم، ورجع إلى بيته فأسلم من بعده أبوه ياسر وأمه سمية وأخوه عبد الله، وقد أدى إسلام أسرة عمار إلى سخط حلفائها من بني مخزوم، فثارت ثائرتهم ونقموا على الأسرة المسلمة، وكان من أثره أن عصفت بها عواصف المحن وهاجت عليها رزايا العذاب.

وفى البدايه قد خرج ياسر والد عمّار، من بلده في اليمن يطلب أخا له، ويبحث عنه وفي مكة طاب له المقام، فاستوطنها محالفا أبا حذيفة بن المغيرة ، وزوّجه أبو حذيفة احدى امائه وهى سميّة بنت خياط، ومن هذا الزواج المبارك رزق الله الأبوين عمارا، وكان اسلامهم مبكرا مثل شأن الأبرار الذين هداهم الله عز وجل، وشأن الأبرار المبكرين أيضا، الذين أخذوا نصيبهم الأوفى من عذاب قريش وأهوالها، ولقد كانت قريش تتربص بالمؤمنين الدوائر، فان كانوا ممن لهم في قومهم شرف ومنعة، تولوهم بالوعيد والتهديد، ويلقى أبو جهل المؤمن منهم فيقول له تركت دين آبائك وهم خير منك لنسفهن حلمك، ولنضعن شرفك، ولنكسدن تجارتك، ولنهلكن مالك، ثم يشنون عليه حرب عصبية حامية وان كان المؤمن من ضعفاء مكة وفقرائها، أو عبيدها، أصلتهم سعيرا، ولقد كان آل ياسر من هذا الفريق .

وقد وكل أمر تعذيبهم الى بني مخزوم، وكانوا يخرجون بهم جميعا، ياسر وزوجته سمية وابنهم عمار كل يوم الى رمضاء مكة الملتهبة، ويصبّون عليهم جحيم العذاب ألوانا وفنونا، ولقد كان نصيب سمية من ذلك العذاب فادحا رهيبا، وكان النبي صلى الله عليه وسلم، يخرج الى حيث علم أن آل ياسر يعذبون، ولم يكن فى ذلك الوقت يملك من أسباب المقاومة ودفع الأذى شيئا وكانت تلك مشيئة اللهن وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم وقف عمار إلى جانب أمير المؤمنين علي بن ابي طالب، ودافع عن حقه في الخلافة، وكان من المقربين منه، واشترك معه في معاركه ضد الناكثين والقاسطين والمارقين، حتى كانت واقعة صفين عندما تقابل جيش أمير المؤمنين علي مع جيش معاوية، حيث نزل عمار إلى الميدان لقتال القوم، وهو شيخ في الرابعة والتسعين من عمره.

وقد نقل ابن الأثير أن عمار خرج إلى الناس يومها وهو يقول “اللهم أنك تعلم أني لو أعلم أن رضاك في أن أقدف بنفسي في هذا البحر لفعلته، اللهم أنك تعلم لو أني أعلم أن رضاك في أن أضع ظبة سيفي في بطني ثم انحني عليها حتى تخرج من ظهري لفعلت، وأني لا أعلم اليوم عملا أرضى لك من جهاد هؤلاء الفاسقين، ولو أعلم اليوم ما هو أرضى منه لفعلته، والله لو ضربونا حتى بلغوا بنا سعفات هجر لعلمنا أنا على الحق وأنهم على الباطل ” وقد قاتل حتى قتل، وقد كان لمقتله أثرا كبيرا أزال الشبهة عند كثير من الناس، وكان ذلك سببا لرجوع جماعة إلى أمير المؤمنين والتحاقهم به، ذلك أن الجميع يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “ويح عمّار تقتله الفئة الباغية، يدعونهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار” ففى الفتنه الكبرى بين جيش على بن أبى طالب وجيش معاويه بن أبى سفيان، قتل عمار بن ياسر رضى الله عنه، وقد حدثت هزة شديدة في الجيشين .

فأما جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه، فيقدّرون عمارا رضى الله عنه أشد التقدير، فهو أحد شيوخ الصحابة، وقد تجاوز التسعين سنة، ومن أوائل من أسلم، وقد عاصر رضى الله عنه بدايات الإسلام، وعُذب هو وأهله كثيرا في سبيل الله، وله في الإسلام مكانته وقدره، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” اشتاقت الجنه إلى ثلاثه على وعمار وسلمان ” وكان قتل عمار رضى الله عنه شديدا على جيش علي بن أبي طالب رضى الله عنه، لكنه كان أشد على جيش الشام لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أخبر أن عمارا رضى الله عنه تقتله الفئة الباغية، وها هو رضى الله عنه قد قتل على أيديهم فهم إذن الفئة الباغية، وليسوا على الحق.