محامي الفقراء أبو ذر الغفاري ” جزء 1″ 

الدكرورى يتكلم عن محامي الفقراء أبو ذر الغفاري ” جزء 1″ 

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى 

محامي الفقراء أبو ذر الغفاري ” جزء 1″

الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري جندب بن جنادة رضي الله عنه، ولد في قبيلة غفار، وكان من السابقين إلى الإسلام وكان أبو ذر من أشد الناس تواضعا، فكان يلبس ثوبا كثوب خادمه، ويأكل مما يطعمه، فقيل له يا أبا ذر، لو أخذت ثوبك والثوب الذي على عبدك وجعلتهما ثوبا واحدا لك، وكسوت عبدك ثوبا آخر أقل منه جودة وقيمة، ما لامك أحد على ذلك، فأنت سيده، وهو عبد عندك، فقال أبو ذر”إني كنت ساببت” أي شتمت بلال، وعيرته بأمه، فقلت له يا ابن السوداء، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي النبي ” يا أبا ذر، أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية ” فوضعت رأسي على الأرض، وقلت لبلال ضع قدمك على رقبتي حتى يغفر الله لي، فقال لي بلال إني سامحتك غفر الله لك، وقال إخوانكم خولكم “عبيدكم”

جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم ” رواه البخاري، وفي وادي ودان الذي يصل مكة بالعالم الخارجي كانت تنزل قبيلة غفار، وكانت غفار تعيش من ذلك النزر اليسير الذي تبذله لها القوافل التي تسعى بتجارة قريش ذاهبة إلى بلاد الشام أو آتيه منها وربما عاشت من قطع الطريق على هذه القوافل إذا هي لم تعطها مايرضيها وكان جندب بن جناده، المكني بأبي ذر واحدا من أبناء هذه القبيلة لكنه كان يمتاز منهم بجرأة القلب ورجاحة العقل وبُعد النظر، وبأنه كان يضيق أشد الضيق بهذه الأوثان التي يعبدها قومه من دون الله ويستنكر ما وجد عليه العرب من فساد الدين وتفاهة المعتقد ويتطلع إلى ظهور نبي جديد يملأ على الناس عقولهم وأفئدتهم ويخرجهم من الظلمات إلى النور.

ثم تناهت إلى أبي ذر وهو في باديته أخبار النبي الجديد الذي ظهر في مكة، فقال لأخيه أنيس انطلق لا أبا لك إلى مكة وقف على أخبار هذا الرجل الذي يزعم أنه نبي وأنه يأتيه وحي من السماء واسمع شيئا من قوله واحمله إلي، ذهب أنيس إلى مكة والتقى بالرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وسمع منه، ثم عاد إلى البادية فتلقاه أبو ذر في لهفة وسأله عن أخبار النبي الجديد في شغف، فقال لقد رأيت والله رجلا يدعو إلى مكارم الأخلاق، ويقول كلاما ماهو بالشعر قال له وماذا يقول الناس فيه ؟ فقال يقولون إنه ساحر وكاهن وشاعر، فقال أبو ذر، والله ماشفيت لي غليلا ولا قضيت لي حاجة، فهل أنت كاف عيالي حتى أنطلق فأنظر في أمره ؟ فقال نعم، ولكن كن من أهل مكة على حذر، فتزود أبو ذر لنفسه وحمل معه قربة ماء صغيرة.

واتجه من غده إلى مكة يريد لقاء النبي صلى الله عليه وسلم والوقوف على خبره بنفسه، وبلغ ابو ذر مكة وهو متوجس خيفة من أهلها فقد تناهت إليه أخبار غضبة قريش لآلهتهم وتنكيلهم بكل من تحدثه نفسه باتباع محمد لذا كره أن يسأل أحدا عن محمد لأنه ما كان يدري أيكون هذا المسؤل من شيعته أنصاره أم من عدوه، ولما أقبل الليل اضطجع في المسجد فمر به علي بن أبي طالب رضي الله عنه فعرف أنه غريب فقال هلمّ إلينا أيها الرجل فمضى معه وبات ليلته عنده وفي الصباح حمل قربته ومزوده وعاد إلى المسجد دون أن يسأل أحد منهما صاحبه عن شئ ثم قضى أبو ذر يومه الثاني دون أن يتعرف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أمسى أخذ مضجعه من المسجد، فمر به علي رضي الله عنه، فقال له أما آن للرجل أن يعرف منزله.

ثم اصطحبه فبات عنده ليلته الثانيه، ولم يسأل أحد منهم صاحبه عن شيئ فلما كانت الليلة الثالثة قال علي لصاحبه ألا تحدثني عما أقدمك إلي مكة، فقال أبو ذر إن أعطيتني ميثاقا أن ترشدني إلى ما أطلب فعلت، فأعطاه علي ما أراد من ميثاق فقال أبو ذر رضي الله عنه، لقد قصدت مكة من أماكن بعيدة أبتغي لقاء النبي الجديد وسماع شيئ مما يقوله، فانفرجت أسارير الإمام علي رضي الله عنه وقال والله إنه لرسول الله حقا، وإنه، وإنه، فإذا أصبحنا فاتبعني حيثما سرت، فإن رأيت شيئا أخافه عليك وقفت وكأني أريق الماء فإذا مضيت فاتبعني حتى تدخل مدخلي، لم يقر لأبي ذر مضجع طوال ليلته شوقا إلى رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ولهفة إلى استماع شيئ مما يوحى به إليه، وفي الصباح مضى علي بن أبى طالب بضيفه إلى بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ومضى أبو ذر وراءه يقفوه أى يتبعه ويمشي على أثره وهو لايلوي على شيئ لا يلتفت إلى شيء حتى دخلا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال أبو ذر السلام عليك يا رسول الله فقال الرسول وعليك سلام الله ورحمته وبركاته، فكان أبو ذر أول من حيا الرسول صلى الله عليه وسلم بتحية الإسلام، ثم شاعت وعمت بعد ذلك، وأقبل الرسول صلوات الله عليه على أبي ذر يدعوه للإسلام ويقرأ عليه القرآن، فما لبث أن أعلن كلمة الحق ودخل في الدين الجديد قبل أن يبرح مكانه، فكان رابع ثلاثة أسلموا أو خامس أربعة، ويقول أبا زر الغفاري رضي الله عنه أقمت بعد ذلك مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة فعلمني الإسلام وأقرأني شيئا من القرآن، ثم قال لي ” لاتخبر بإسلامك أحدا في مكة، فإني أخاف عليك أن يقتلوك “