الدكرورى يكتب عن الجدّ بن قيس بن خنساء ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الجدّ بن قيس بن خنساء، وجعل مكانه في النقابة عمرو بن الجموح، وحضر يوم الحديبية، فبايع الناس رسول الله صلى الله عليه وسلم، جميعهم إلا الجد بن قيس لم يبايع، فإنه استتر تحت بطن ناقته، وقد أخبرنا عبيد الله بن أحمد بن علي بإسناده إلى يونس بن بكير، عن ابن إسحاق قال “ولم يتخلف عن بيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أحد، يعني في الحديبية، من المسلمين حضرها إلا الجد بن قيس أخو بني سلمة، وقال جابر بن عبد الله، لكأني أنظر إليه لاصقا بإبط ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد صبا إليها، يستتر بها من الناس، وأما عن عمرو بن الجموح فكان صحابي، وهو أحد زعماء المدينة وسيد من سادات بني سلمة، وشريفا من أشرافهم.
وواحد من أجواد المدينة، كان آخر الأنصار اسلاما، وكان مصاهرا لعبدالله بن عمرو بن حرام، فقد كان زوجا لأخته، هند بنت عمرو، وفي يوم أحد أراد عمرو الخروج للغزو مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان برجل عمرو عرج، فمنعه بنوه، إلا أن عمرو بن الجموح أبى إلا أن يشهد المعركة مع أبنائه الأربعة، فقال للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، أرأيت إن قتلت اليوم أطأ بعرجتي هذه الجنة؟ فقال صلى الله عليه وسلم ” نعم ” قال ” فوالذي بعثك بالحق لأطأن بها الجنة اليوم إن شاء الله، ثم قاتل حتى قتل، وكان عمرو بن الجموح سيد بني سلمة، وكان له من الأخوة إدام بنت الجموح وهي شقيقته لأب وأم، وتزوجها مسعود بن كعب بن عامر بن عدي بن مجدعة بن حارثة.
وقد أسلمت أدام، وبايعت النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، وكان عمرو بن الجموح سيد بني سلمة قبل الإسلام، ولما قدم مصعب بن عمير إلى يثرب مبعوثا من النبي محمد صلى الله عليه وسلم، ليُعلم أهل يثرب الإسلام، بعث إليه عمرو بن الجموح، فقال له ما هذا الذي جئتمونا؟ فقال مصعب له إن شئت جئناك، فأسمعناك القرآن، فقال له نعم، فقرأ مصعب أول سورة يوسف، فقال عمرو له، إن لنا مؤامرة في قومنا، وكان فتيان بني سلمة فيهم ابنه معاذ ومعاذ بن جبل، قد أسلموا، فكانوا إذا ذهب الليل دخلوا إلى بيت الصنم، فيطرحونه في أنتن حفرة مُنكسا، فإذا أصبح عمرو غمّه ذلك، فيأخذه، فيغسله ويُطيّبه، ثم يعودون لمثل فعلهم، فخرج ودخل على صنمه مناف.
فقال له يا مناف، تعلم ما يريد القوم غيرك، فهل عندك من نكير؟ ثم قلده السيف وخرج، فقام أهله فأخذوا السيف، فلما رجع قال أين السيف يا مناف؟ ويحك، إن العنز لتمنع إستها، والله ما أرى في أبي جعار غدا من خير، ثم قال لأهله إني ذاهب إلى مالي، فاستوصوا بمناف خيرا، فذهب، فأخذوه فكسروه وربطوه مع كلب ميت وألقوه في بئر، فلما جاء قال كيف أنتم؟ قالوا بخير يا سيدنا، طهر الله بيوتنا من الرجس، فقال عمرو، والله إني أراكم قد أسأتم خلافتي في مناف، قالوا له هو ذاك، انظر إليه في ذلك البئر، فأشرف فرآه، فبعث إلى قومه فجاءوا، فقال، ألستم على ما أنا عليه؟ قالوا له بلى، أنت سيدنا، فقال لهم فأشهدكم أني قد آمنت بما أنزل على محمد، وقد اختاره النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، سيّدا على قومه.
فقد روى البخاري عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم، سئل “من سيدكم يا بني سلمة؟ قلنا جد بن قيس، على أنا نبخله” فقال صلى الله عليه وسلم “وأي داء أدوى من البخل، بل سيدكم عمرو بن الجموح” ولما دعا النبي صلى الله عليه وسلم، أصحابه للخروج إلى غزوة بدر، همّ عمرو بن الجموح بالخروج، فمنعه أبنائه لعرجه، فلما كان يوم أحد أراد بنوه أن يحبسوه وقالوا له أنت رجل أعرج، ولا حرج عليك، وقد ذهب بنوك مع النبي صلى الله عليه وسلم، قال، بخ، يذهبون إلى الجنة وأجلس أنا عندكم، فقالت هند بنت عمرو بن حرام امرأته، كأني أنظر إليه موليا، قد أخذ درقته، يقول اللهم لا تردني إلى أهلي خزيا، فخرج ولحقه بنوه يكلمونه في القعود، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال يا رسول الله، إن بني يريدون أن يحبسوني عن هذا الوجه والخروج معك.
والله إني لأرجو أن أطأ بعرجتي هذه الجنة، فقال صلى الله عليه وسلم “أما أنت، فقد عذرك الله تعالى ولا جهاد عليك ” فأبى فقال صلى الله عليه وسلم، لبنيه ” لا عليكم أن لا تمنعوه، لعل الله يرزقه الشهادة” وقبل المعركة، وقام النبي صلى الله عليه وسلم، فخطب وقال “قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين” فقام عمرو وهو أعرج، فقال ” والله لأقحزن عليها في الجنة” فقاتل هو وابنه خلاد لما انكشف المسلمون، حتى قتلا، وقد دفن هو وعبد الله بن عمرو بن حرام في قبر واحد، بأمر من النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال يومئذ حين أَمر بدفن القتلى “انظروا إلى عمرو بن الجموح وعبد الله بن عمرو بن حرام، فإنهما كانا متصافيين في الدنيا، فاجعلوهما في قبر واحد ” وكان يسمى قبرهما قبر الأخوين.