الدكرورى يكتب عن الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروى
الشرك بالله والقلوب الفارغة ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع الشرك بالله والقلوب الفارغة، وإن انتقال الإنسان من عالم الأحشاء إلى عالم الدنيا، هو أشد الأحوال والأوقات التي يمر بها الإنسان وهو يوم أن يولد، ويوم أن يموت، ويوم أن يبعث حيا، ولكن لماذا؟ وهو لأن العبد في هذه الأحوال الثلاثة ينتقل من عالم إلى عالم آخر جديد غريب عليه، فهو ينتقل في المرحلة الأولى من عالم الأحشاء في بطن أمه إلى عالم الدنيا، ثم بعد ذلك يترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، فيترك القصور والدور إلى عالم الدود والقبور، ثم بعد ذلك يترك عالم البرزخ إلى عالم البعث، ثم إلى العرض على محكمة الله عز وجل فما بين مسرور محبور، ومحزون مثبور، وما بين جبير وكسير، فريق في الجنة وفريق في السعير، فإنها أحوال ثلاثة عجيبة، وأحوال شديدة على أي إنسان، يوم أن يولد ويوم أن يموت ويموت أن يبعث حيا.
وإن المرحلة الأولى وهي المرحلة التي ينتقل فيها الإنسان من عالم الرحم والأحشاء، ذلك العالم الآمن الأمين الحصين المكين، هذا العالم الذي تكلف الله برعايته له بكل شيء، وما كلفه الله تعالي في هذا العالم بأي شيء، فيد الله وحده هي التي ترعاه وترزقه، وسل الجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك؟ فإنه الله وحده هو الذي يرعاك وأنت في هذه الأحشاء، وأنت في هذه الأجواء، وأنت في هذا العالم العجيب، يد الله وحده هي التي ترعاك، ويد الله وحده هي التي ترزقك، ويد الله وحده هي التي تتكفل بعنايتك ورعايتك، وسل الجنين يعيش معزولا بلا راع ومرعى ما الذي يرعاك ومن الذي يقدم له رزقه؟ ومن الذي يتكفل له بطعامه وشرابه؟ ومن الذي يتكفل بتنفسه في هذا العالم؟ إنه الله رب العالمين، وفي الوقت الذي قدر الله له فيه أن يخرج من ذلك المكان الآمن.
يخرج إلى عالم الشقاء، يخرج إلى عالم الدنيا، يخرج إلى عالم الفتن والشهوات والشيطان، فيستقبله الشيطان منذ أول لحظة نزل فيها إلى هذه الحياة والمولدة تولده، فيستقبله الشيطان فيطعنه فيصرخ المولود، وهذا كما أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من مولود يولد إلا ويمسه الشيطان، فيستهل المولود صارخا من مس الشيطان إياه” رواه البخاري ومسلم، ومن هذه اللحظة تبدأ في مصارعة الشيطان والأهواء والفتن، وتعيش في هذه الحياة ما قدر الله لك أن تعيش تصارع الشيطان وتصارع النفس الأمارة بالسوء، وتصارى الأهواء، وتظل في هذه الحياة ما قدر الله لك فيها، ثم تأتي اللحظة التي قدر الله عز وجل لك فيها أن تترك عالم الدنيا إلى عالم البرزخ، أي إلى عالم الفناء، وإلى عالم القبور.
فيأتي الموت في اللحظة التي حددها الله تبارك وتعالى لك، فينقلك الموت بعظمة الله عز وجل من القصور إلى القبور، ومن ضياء المهود إلى ظلمة اللحود، ومن ملاعبة الجواري والغلمان إلى مقاساة الهوام والديدان، ومن التنعم بالطعام والشراب إلى التمرغ في الوحل والترابن فإن هذه هي المرحلة الثانية مرحلة الموت، وهو يوم أن تنتقل بعد مولدك وبعد حياتك وبعد عيشك إلى عالم يسمى بعالم البرزخ، إلى عالم الفناء، إلى عالم الحق عند الله الحق سبحانه وتعالي، فانظر حينما تأتي ساعة الصفر ويقترب الأجل، وتتلاشى اللحظات الأخيرة من عمرك، وتنام على فراش الموت، وحولك أولادك وأحبابك يبكون، والأطباء من حولك يحاولون، بذلوا لك كل رقية، وقدموا لك كل دواء، وقدموا لك كل علاج، فأنت من أنت؟ أنت صاحب الأفعال، وأنت صاحب الجاه.
وأنت صاحب السلطان، وأنت صاحب المنصب، وأنت الغني، بذل الأطباء لك كل رقية، وقدموا لك دواء، وبذلوا لك كل علاج، ولكن انظر إليه قد اصفر وجهه، وشحب لونه، وتصبب جبينه بالعرق، وتجعد جلده، وبدأ يحس بزمهرير قارس يزحف إلى أنامل يديه وقدميه، ويريد أن يحرك شفتيه بكلمة التوحيد، فيحس أن الشفة كالجبل لا يزحزح، وينظر إلى من حوله من أحبابه، إلى أهله، إلى أقاربه، فيراهم تارة يبتعدون، وتارة يقتربون، ومرة يسمعهم ومرة لا يسمعهم، ويرى الغرفة التي هو فيها والفراش الذي هو ممتد عليه، يرى هذه الغرفة تتسع مرة كالفضاء الموحش، ومرة تضيق فتصير كخرم إبرة، وهو بين هذه السكرات، وبين هذه الكربات، وفي هذا الحزن الشديد، فلقد فاتته الآمال ولم يحققها، بنى داره وجهد واجتهد وكنز الأموال، فهو بين حزن شديد على ما فات وبين غم شديد على أنه لا يدري ما الذي سيلاقيه بين يديه من هذا العالم الجديد.