الدكرورى يكتب عن الأسباط عليهم السلام ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأسباط عليهم السلام ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع الأسباط عليهم السلام، فقال تعالى ” اسكنوا هذه القرية وكلوا منها ” وهنا يوضح الحق سبحانه وتعالى أنا تكفلت بكم فيها كما تكفلت بكم في التيه من تظليل غمام، وتفجير ماء من صخر، ومَنّ وسلوى، وحين أقول لكم ادخلوا القرية واسكنوها فلن أتخلى عنكم فقال تعالى ” وكلوا منها حيث شئتم ” وقديما كان لكل قرية باب لذلك يتابع سبحانه وتعالى بقوله ” وقولو حطة وادخلوا الباب سجدا ” والحطة تعني الدعاء بأن يقولوا يا رب حط عنا ذنوبنا فنحن قد استجبنا لأمرك وجئنا إلى القرية التي أمرتنا أن نسكنها، وكان عليهم أن يدخلوها ساجدين لأن الله قد أنجاهم من التيه بعد أن أنعم عليهم ورفههم فيه، وإذا ما فعلوا ذلك سيكون لهم الثواب وهو كما قال تعالى ” نغفر لكم خطيئاتكم سنزيد المحسنين ” وسبحانه يغفر مرة ثم يكتب حسنة.
أي سلب مضرة، وجلب منفعة، وأما عن الهيكل فكانت تسمية قديمة للمكان المختار للعبادة قبل الإسلام، والهيكل الذي كان موجودا في الأرض المقدسة يمثل مراحل المسجد الأقصى فيما قبل الرسالة المحمدية، وقد صح أنه ثاني مسجد وضع في الأرض، فقد بناه الخليل إبراهيم عليه السلام بعد أن بنى الكعبة بأربعين سنة، وكان الهيكل في القدس قبلة لكل أنبياء بني إسرائيل طيلة عهودهم، واستمر المسلمون يصلون إلى بيت المقدس زمانا، حتى تحولت قبلة المسلمين إلى الكعبة، ولكن حادثة الإسراء كانت إيذانا بانتقال أرض القبلة الأولى إلى إرث الأمة الإسلامية، لأنها أرض مقدسة لا يصلح أن تبقى تحت أيدي أهل الملل الكفرية والعبادات الشركية، ولهذا كانت أرض بيت المقدس في مقدمة الأراضي التي اتجهت إليها جهود الفتح، بدءا من غزوة تبوك.
حتى تم فتحها في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وإن اليهود كانوا يتبادلون طوال أزمنة الشتات تحية يقولون فيها غدا نلتقي في أورشليم، وبعد أن وصلوا إلى أورشليم أو القدس واستولوا على حائط البراق الذي يسمونه حائط المبكى، وقد ابتدع لهم حاخاماتهم دعاء يرددونه في كل صلاة أمام الحائط، وهو عبارة عن قسم وعهد على إعادة بناء الهيكل، ويدعون على أنفسهم باكين بأن تلتصق ألسنتهم في حلوقهم إذا هم نسوه وأول من ردد ذلك الدعاء والتزم هذا التعهد هم القادة العسكريون عندما دخلوا القدس، وقد جاء في السنة النبوية الشريفة أن نبى الله سليمان عليه السلام هو باني بيت المقدس في حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أن سليمان بن داود صلى الله عليه وسلم لما بنى بيت المقدس”
“سأل الله عز وجل خلالا ثلاثه، سأل الله عز وجل حكما يصادف حكمه فأوتيه وسأل الله عز وجل ملكا لا ينبغى لأحد من بعده فأوتيه وسأل الله عز وجل حين فرغ من بناء البيت أنه قال ومن أتى هذا البيت لا يريد إلا الصلاة فيه خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” أما اثنتين فقد أعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أعطي الثالثة” وعن الصادق، عن آبائه الكرام عليهم السلام، قال إن يوشع بن نون قام بالأمر بعد نبى الله موسى صابرا من الطواغيت على اللأواء والضراء والجهد والبلاء حتى مضى منهم ثلاثة طواغيت فقوى بعدهم أمره، فخرج عليه رجلان من منافقي قوم موسى بصفراء بنت شعيب امرأة موسى في مائة ألف رجل فقاتلوا يوشع بن نون فغلبهم وقتل منهم مقتلة عظيمة، وهزم الباقين بإذن الله تعالى.
وأسر صفراء بنت شعيب، وقال لها قد عفوت عنك في الدنيا إلى أن نلقى نبي الله موسى فأشكو ما لقيت منك ومن قومك، فقالت صفراء وا ويلاه، والله لو أبيحت لي الجنة لاستحييت أن أرى فيها رسول الله وقد هتكت حجابه وخرجت على وصيه بعده، ولقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى أن جهاد الكفار أصلح من هلاكهم بعذاب سماء من وجوه، أن ذلك أعظم في ثواب المؤمنين وأجرهم وعلو درجاتهم لما يفعلونه من الجهاد في سبيل الله لأن تكون كلمة الله هي العليا ويكون الدين كله لله، وأن ذلك أنفع للكفار أيضا فإنهم قد يؤمنون من الخوف، ومن أسر منهم وسيم من الصغار يسلم أيضا، وهذا من معنى قوله تعالى “كنتم خير أمة أخرجت للناس” وقال أبو هريرة رضى الله عنه وكنتم خير الناس للناس تأتون بهم في الأقياد والسلاسل حتى تدخلوهم الجنة.