الدكرورى يكتب عن الأسباط عليهم السلام ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأسباط عليهم السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع الأسباط عليهم السلام، ومن حينئذ كانت فيهم النبوة فإنه لا يعرف أنه كان فيهم نبي قبل نبى الله موسى إلا يوسف عليهما السلام، ومما يؤيد هذا أن الله تعالى لما ذكر الأنبياء من ذرية الخليل إبراهيم عليه السلام وقال ومن ذريته داود وسليمان كما ذكرت الآيات، فذكر نبى الله يوسف ومن معه، ولم يذكر الأسباط فلو كان إخوة يوسف نبئوا كما نبئ يوسف لذكروا معه، وأيضا فإن الله يذكر عن الأنبياء من المحامد والثناء ما يناسب النبوة وإن كان قبل النبوة كما قال عن نبى الله موسى ” ولما بلغ أشده ” وقال في نبى الله يوسف كذلك، وفي الحديث عن النبى صلى الله عليه وسلم ” أكرم الناس يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم نبي من نبي من نبي ” فلو كانت إخوته أنبياء كانوا قد شاركوه في هذا الكرم، وهو تعالى لما قص.
قصة نبيه يوسف عليه السلام وما فعلوا معه ذكر اعترافهم بالخطيئة وطلبهم الاستغفار من أبيهم، ولم يذكر من فضلهم ما يناسب النبوة، ولا شيئا من خصائص الأنبياء، بل ولا ذكر عنهم توبة باهرة كما ذكر عن ذنبه دون ذنبهم، بل إنما حكى عنهم الاعتراف وطلب الاستغفار، ولا ذكر سبحانه عن أحد من الأنبياء لا قبل النبوة ولا بعدها أنه فعل مثل هذه الأمور العظيمة من عقوق الوالد، وقطيعة الرحم وإرقاق المسلم وبيعه إلى بلاد الكفر والكذب البين، وغير ذلك مما حكاه عنهم، ولم يحكى عنهم شيئا يناسب الاصطفاء، والاختصاص الموجب لنبوتهم بل الذي حكاه يخالف ذلك بخلاف ما حكاه عن يوسف، ثم إن القرآن الكريم يدل على أنه لم يأت أهل مصر نبي قبل نبى الله موسى سوى يوسف لآية غافر، ولو كان من إخوة نبى الله يوسف نبي لكان قد دعا أهل مصر.
وظهرت أخبار نبوته، فلما لم يكن ذلك علم أنه لم يكن منهم نبي، فهذه وجوه متعددة يقوي بعضها بعضا، وقد ذكر أهل السير أن إخوة نبى الله يوسف كلهم ماتوا بمصر وهو أيضا، وأوصى بنقله إلى الشام فنقله نبى الله موسى عليه السلام، وإن الحاصل أن الغلط في دعوى نبوتهم حصل من ظن أنهم هم الأسباط، وليس كذلك، إنما الأسباط ذريتهم الذين قطعوا أسباطا من عهد موسى، وكل سبط أمة عظيمة، ولو كان المراد بالأسباط أبناء يعقوب لقال ويعقوب وبنيه فإنه أوجز وأبين، واختير لفظ الأسباط على لفظ بني إسرائيل للإشارة إلى أن النبوة إنما حصلت فيهم من حين تقطيعهم أسباطا من عهد نبى الله موسى، هذا كله كلام ابن تيمية، وقد سكن الأسباط العشرة أحفاد نبى الله يعقوب عليه السلام في المنطقة الجنوبية، وسموا بالأسباط المفقودة أو الأسباط الضائعة.
في حين سكن الأسباط أبناء نبى الله يوسف في المنطقة الشمالية، كانت تطلق كلمة السبط على اليد اليمنى، وكلمة الحفيد على اليد اليمنى عند العلماء اليد اليمنى هي اليد التي يعتمد عليها الإنسان في حياته اليومية أكثر من اليسرى، كما أن الجد يعتمد على أبنائه وأبناء أبنائه أكثر من أبناء بناته لذا تم الربط لغة بين اليد اليمنى والحفيد واليد اليسرى والسبط ويروي لنا التاريخ بوجود باب في القدس، يطلق عليه اسم باب الأسباط، حيث يقع باب الأسباط في الحائط الشرقي للقدس إذ يعود تاريخه إلى عهد السلطان سليمان القانوني، ومع مرور الزمن أطلقت على باب الأسباط أسماء أخرى مثل باب القديس اسطيفان، وباب الأسود، وذلك لوجود تمثالين لأسدين موضوعين على جانبي المدخل، وقد تكرر ذكر كلمة الأسباط فى القرآن الكريم ملحقة بذكر نبى الله يعقوب.
واختلف المفسرون فى معنى الكلمة، ومضمونها اللغوى، ومصداقها الخارجى، وموقع أشخاصها من حيث القداسة الرسالية، وربما يكون سبب ذكر هؤلاء بعد ذكر يعقوب وآبائه، أن لهم صلة انتساب وقرابة له، كما أن ذكرهم مع الأنبياء قد يدفع إلى اعتبارهم أنبياء، ولكن هناك من نفى أن يكونوا أولاد يعقوب، فقد أخرج ابن جرير عن ابن عباس رضى الله عنهما، أن الأسباط بنو يعقوب اثنا عشر رجلا، وكل واحد منهم ولد أمة من الناس، وجاء السبط فى بنى إسرائيل كالقبيلة فى العرب، والسبط الحافد الحفيد، وكان الحسن والحسين سبطى رسول الله، والأسباط حفدة يعقوب وذرارى أبنائه الاثنى عشر، ويدل ذلك على أن المقصود بكلمة الأسباط هو الامتداد النسبى لأولاد يعقوب، الذين يمثلون مجتمعا متعددا بتعدد الآباء، ولكن ذلك لا ينطبق على نبى الله يعقوب عليه السلام.