المعجزة الخالدة ” جزء 3″

الدكروري يكتب عن المعجزة الخالدة ” جزء 3″

بقلم / محمـــد الدكـــروري

المعجزة الخالدة ” جزء 3″

ونكمل الجزء الثالث مع المعجزة الخالدة، ويقول الله تعالى في سورة الإسراء ” وإن كل شيء إلا يسبح بحمده” فكل عبادة في هذا الدين الإسلامي الحنيف لها حد ووقت إلا الذكر ليس له حد ولا وقت ولا حال، فهذا الرجل الذي سأل النبي صلي الله عليه وسلم عن عباده يسهل يطبقها وترفع درجته عند ربه فقال له صلي الله عليه وسلم “لا يزال لسانك رطبا من ذكر الله” رواه أحمد والترمذي، ومن العجيب أيضا أن عبادة ذكر الله كانت وصية خليل الله إبراهيم للمعصوم صلى الله عليه وسلم في هذه الرحلة المباركة فعندما صعد النبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء السابعة وجد خليل الله إبراهيم عليه السلام ساندا ظهره إلى البيت المعمور فقال له يا محمد أقرئ أمتك مني السلام وأخبرهم أن الجنة طيبة التربة وأنها قيعان، وأن غراسها سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله”

فينبغي أن يكون للمرء ورد ذكر في يومه وليلته، فما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرا إلا وعلمنا فيه ذكرا ودعاء، وقد ذكر الاستيقاظ من النوم، ودخول الخلاء والخروج من الخلاء، ولبس الثياب، والطعام، والخروج من المنزل، وركوب الدابة، وكل شيء حتى تعود إلى نومك، والسؤال هنا هو كيف يقول الله سبحانه وتعالى “من المسجد الحرام” وقد أسري به من بيت السيدة أم هانئ بنت أبو طالب كما يقول أهل السير؟ والصحيح أنه أسري به صلى الله عليه وسلم، من الحرم، فقد خرج من بيت السيدة أم هانئ أو من بيته، ثم دخل الحرم فأسري به من الحرم صلى الله عليه وسلم، وكان سبب الإسراء أن الرسول صلى الله عليه وسلم طرده أهل مكة وأهل الطائف وكذبوه فعاد في وادي نخلة يناجي ربه في ليلة ظلماء ليس معه إلا الله، وليس له مؤنس إلا الله.

ولما رفع أكف الضراعة أدخله الله عز وجل الحرم فطاف فيه، ثم أذن له بالإسراء والمعراج، فيقول قائل أسرى بك الله ليلا إذ ملائكه والرسل في المسجد الأقصى على قدم، كنت الإمام لهم والجمع محتدم أعظم بمثلك من هاد ومؤتم، لما خطرت به التفوا بسيدهم كالشهب بالبدر أو كالجند بالعلم، حتى بلغت مكانا لا يطار له على جناح ولا يسعى على قدم، وقيل كل نبي عند رتبته ويا محمد هذا العرش فاستلم، ويقول الله سبحانه وتعالي في مطلع سورة الإسراء ” سبحان الذي أسري بعده ليلا” وهنا نسأل لماذا لم يقل سبحانه وتعالي برسوله أو نبيه أو حبيبه أو خليله، فإن لله عز وجل في كونه عبيد وعباد، فكلنا عبيد الله، الطائع فينا والعاصي والمؤمن فينا والكافر، ولكن عباد الله هم الذين أخلصوا له فاتحد اختيارهم مع منهج الله سبحانه وتعالى، ما قال لهم افعلوه فعلوه.

وما نهاهم عنه انتهوا ولذلك عندما يتحدث القرآن عنهم بين خلق الله لا يسميهم عبيد ولكن يسميهم عبادا فيقول تعالى كما جاء في سورة الفرقان ” وعباد الرحمن الذين يمشون علي الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما” والله عز وجل قد استخدم كلمة عبده ليلفتنا إلى حقيقتين هامتين الأولى هو أن الإسراء بالروح والجسد ولم يكن مناما، والثانية والأهم هو أن الله عز وجل يريد أن يثبت لنا أن العبودية له هي أسمى المراتب التي يصل إليها الإنسان، فالعبودية لله عزة ما بعدها عزة، وعطاء ما بعده عطاء وفي ذلك يقول الحق سبحانه وتعالي كما جاء في سورة الكهف ” فوجدا عبدا من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما” وإن العبودية لله شرف، والعبودية للبشرية نقيصة وذلة، لأن السيد يريد أن يأخذ خير عبده وأن يجرده من كل حقوقه وماله

ولكن لله سبحانه وتعالى يعطي بغير حساب فكفى بالمرء عزا أن يكون عبدا وكفى به فخرا أن يكون الله له ربا، ولقد خُيّر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أن يكون نبيّا ملكا أو عبدا رسولا فاختار أن يكون عبدا نبيا، وبهذه العبودية وصل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مكان لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل، بل كان رسول الله صلي الله عليه وسلم يجتهد أن يصل إلى هذه العبودية الحقة بقيام الليل حتى تورمت أقدامه فلما أشفقت عليه زوجته السيدة عائشة رضي الله عنها وقالت يا رسول الله هون على نفسك فأنت الذي غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال صلي الله عليه وسلم “يا عائشة، أفلا أكون عبدا شكورا ؟” متفق عليه، بل طلب من أمته ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم “لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبده فقولوا عبد الله ورسوله” رواه البخاري.