الدكروري يكتب عن المعجزة الخالدة ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
المعجزة الخالدة ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع المعجزة الخالدة، وكأن الله يقول لخليله إبراهيم عليه السلام نحن أكرم منك يا إبراهيم، فأنت طلبت الرؤياوهي الدرجة الثانية عين اليقين، ونحن جعلناك جربت ذلك بنفسك فأعطيناك الدرجة الثالثة، لذلك كان الصحابة يزداد يقينهم وثباتهم وإيمانهم برؤية الرسول صلى الله عليه وسلم فما بالك برؤية الله عز وجل الخالق العظيم، فينبغي عليك أن تتذكر الغيب أمامك وتعمل كل عمل يذكرك بربك والآخرة فذلك أدعى لزيادة الإيمان وتثبيت قلبك على طاعة الرحمن، هذا فضلا عن أن المشاهد التي رآها الرسول صلي الله عليه وسلم في رحلة المعراج رسائل وإشارات إلى تحذير الأمة من هذه الانحرافات، حيث كانت العقوبات الشديدة المنفرة، فيحذر النبي صلي الله عليه وسلم الأمة من هذه الآفات كالربا، والزنا، وأكل مال اليتيم، والغيبة والنميمة وغيرها.
لأنها أمراض اجتماعية تدمّر الفراد والمجتمع، وفي الطريق تعددت المشاهد وفي هذا المشهد تظهر امرأة جميلة متبرّجة بكل أنواع الزينة, حاسرة على ذراعيها تنادي يا محمد انظرني أسألك, فلم يلتفت اليها صلى الله عليه وسلم, ثم سار عليه السلام ما شاء الله له أن يسير, فقال جبريل للرسول صلي الله عليه وسلم أما سمعت شيئا في الطريق، فقال صلي الله عليه وسلم “بينما أنا أسير اذا بامرأة حاسرة على ذراعيها عليها من كل زينة خلقها الله تقول يا محمد انظرني أسألك فلم أجبها, ولم أقم عليها” فقال جبريل عليه السلام تلك الدنيا, اما أنك لوأجبتها, لو أقمت عليها لاختارت أمتك الدنيا على الآخرة, وأما الشيء الذي ناداك من جانب الطريق فهو ابليس، ثم قدّم جبريل عليه السلام لرسول الله صلى الله عليه وسلم اناءين في أحدهما خمر, وفي الآخر لبن, وقال له اختر ما شئت.
فاختار رسول الله صلي الله عليه وسلم اناء اللبن فشربه, وأعرض عن الخمر, ولم تكن الخمر قد حرّمت في الاسلام حينئذ, فلما اختار الرسول صلي الله عليه وسلم اللبن قال له جبريل هديت الى الفطرة, ولو شربت الخمر لغويت وغويت أمتك، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم” الله أكبر الله أكبر” وقد قصد جبريل عليه السلام بهذا أن الخمر كانت في أصلها عصيرا طيّبا أو نقيعا نافعا للبدن ثم تحولت عن هذا الأصل الطيب النافع في اللون والطعم والريح وتحول كل هذا من شيء طيب نافع مفيد للجسم والبدن الى عصير خبيث يذهب بالعقل, ويدمّر الجسم, ويفسد الارادة, ويتلف البدن, والأدهى من ذلك كله أنه يوقع العداوة والبغضاء بين الناس، فلو أن الرسول صلي الله عليه وسلم قد شرب الخمر لكان ذلك قبولا منه لشيء صار خبيث, ورفضا لكل ما هو طيب نافع.
وتفضيلا للخبيث على الطيب, وهذا لا يقبله منطق رسول الله صلي الله عليه وسلم ودعوته وخلقه الكريم, فهو لا يهوى الخبائث, بل يدعو للطيّب والطاهر وبذلك يثبت عليه السلام على الأصل النافع الطيّب، واللبن الذي اختاره صلى الله عليه وسلم شراب أصيل لم يتغيّر لونه ولم يتحول الى شراب خبيث يذهب العقول كالخمر, فهو نافع للصحة والبدن, فلما شربه صلى الله عليه وسلم آثر الصالح على الفاسد وهذ سنة الله التي فطر الله الناس عليها, وهي سنن دائمة الوجود باقية بقاء الناس لما فيها من نفع للناس أجمعين, ولذا فقد قال له جبريل عليه السلام هديت الى الفطرة, فما فعله رسول الله صلي الله عليه وسلم من شربه للبن هو منهج يسير على سنة الله في خلقه, الذين يعيشون الآن على وجه المعمورة والذين خلو من قبل.
وهكذا فقد اقتضت سنة الله سبحانه وتعالى في خلقه أن تأتي المنحة بعد المحنة، وأن يأتي النصر بعد الصبر، وأن يأتي الفرج بعد الكرب، وأن يأتي اليسر بعد العسر، والناظر في تفاصيل رحلة الإسراء والمعراج وما سبقها من أحداث يدرك أن الله تعالى أراد لهذه الرحلة المباركة أن تكون منحة بعد محنة، ونصرا بعد صبر، وفرجا بعد كرب، ويسرا بعد عسر، لقد ذكر الله تعالى رحلة الإسراء في آية قرآنية كريمة واحدة في مطلع السورة التي سميت باسم هذه الرحلة سورة الإسراء، وإن الإسراء والمعراج من معجزات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الإسراء فثبت بنص القرءان والحديث الصحيح، فيجب الإيمان بأنه صلى الله عليه وسلم أسرى الله به ليلا من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى، والمقصود من المعراج هو تشريف الرسول باطلاعه على عجائب العالم العُلوي، أما الله تعالى فهو موجود بلا مكان ولا يجري عليه زمان، لا يسكن سماء ولا أرضا، بل هو خالق السماء والأرض والعرش والكرسي ولا يحتاج إلي شىء من خلقه.