الدكرورى يكتب عن عمرو بن الحمق الخزاعي “جزء 4”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الرابع مع عمرو بن الحمق الخزاعي، وكان بعد ذلك الجهاد العظيم مع الإمام على بن أبى طالب، يشهد عمرو أشد اللحظات ألما في حياته، وهي لحظات احتضار الإمام على بن أبى طالب، فيدخل عليه حين ضُرب الضربة التي استشهد فيها بالكوفة، فيقول له ” ليس عليك بأس، إنما هو خدش ” إنه لا يريد أن يصدق أن يفارق هذا الإنسان الذي لا مثيل له في الأرض بعد النبى صلى الله عليه وسلم، هذا الإنسان الذي وصفه ضرار بن عمرو، وهو أحد أصحابه، لمعاوية بن أبى سفيان بقوله عندما ألح عليه فقال وهو يبكي “كان علي والله بعيد المدى، شديد القوى، يقول فصلا، ويحكم عدلا، يتفجر العلم من جوانبه، وتنطق الحكمة من نواحيه، يستوحش من الدنيا وزهرتها، ويستأنس بالليل وظلمته، كان والله غزير العبرة.
طويل الفكرة، يقلب كفه، ويخاطب نفسه، يعجبه من اللباس ما قصر، ومن الطعام ما جشب، كان والله كأحدنا، يجيبنا إذا سألناه، ويبتدؤنا إذا أتيناه، ويلبينا إذا دعوناه، ونحن والله مع تقريبه لنا وقربه منا لا نكلمه هيبة، ولا نبتديه لعظمته، فإن تبسم فعن مثل اللؤلؤ المنظوم، وكان يعظم أهل الدين، ويحب المساكين، لا يطمع القوي في باطله، ولا ييأس الضعيف من عدله، فأشهد بالله أن أتيته في بعض مواقفه وقد أرخى الليل سدوله، وغارت نجومه، وقد مثل في محرابه قابضا على لحيته، يتململ تململ السقيم، ويبكي بكاء الحزين، فكأني الآن أسمعه وهو يقول يا دنيا يا دنيا إلي تعرضت؟ أولي تشوفت؟ هيهات غري غيري، قد أبنتك ثلاثا لا رجعة لي فيك، فعمرك قصير، وعيشك حقير.
وخطرك كثير، آه من قلة الزاد، ووحشة الطريق، وبعد السفر، قال، فوكفت دموع معاوية ما تملكها عن لحيته وهو يمسحها بكفه وقد اختنق القوم بالبكاء فقال معاوية، رحم الله أبا حسن كان والله كذلك، فكيف حزنك عليه يا ضرار؟ قال ضرار، حزني عليه حزن من ذبح واحدها في حجره، فلا ترقأ عبرتها، ولا تسكن حرتها، ويصف ضرار الإمام على بن أبى طالب، في موضع آخر بقوله، رحم الله الإمام على بن أبى طالب، كان والله قصير اللباس، جشب المعاش، لا يعلق له الستور، ولا يدخر عنده النذور، ولا يغلق له دوننا باب، ولم يحجبنا عنه حجاب، وكان والله طويل السجود، قليل الهجود، يتلو كتاب الله آناء الليل وأطراف النهار، يجود لله بمهجته، ويبوء إليه بعبرته، لم تطمع الدنيا فيه فتلهيه، ولا الشيطان فيغويه.
فكان هذا هو شعور عمرو بن الحمق وهو يعيش لحظات الفراق وما أشده من ألم وحزن كحزن من ذبح وحيدها في حجرها كما وصفه ضرار، ويؤكد الإمام على بن أبى طالب هذا الفراق بقوله لعمرو “لعمري أني مفارقكم ” ويُغمى على الإمام على بن أبى طالب بين ساعة وأخرى وعمرو يريد أن يتزوّد منه ما أمكنه، يقول عمرو، بعد أن أفاق علي من إغمائه سمعته يقول “طوبى لهم وطوبى لكم، وطوباهم أفضل من طوباكم، قال، قلت صدقت يا أمير المؤمنين، طوباهم برؤيتك، وطوبانا بالجهاد معك، وطوبانا بطاعتك، ومن هؤلاء الذين طوباهم أفضل من طوبانا؟ فقال الإمام على بن أبى طالب أولئك شيعتي الذين يأتون من بعدكم، يطيقون ما لا تطيقون ويحملون ما لا تحملون.
ولكن الإمام على بن أبى طالب طمأن عمرو بأنه سيمضي شهيدا على الحق وعلى ولايته فقال له ” يا عمرو انك لمقتول بعدي، وان رأسك لمنقول، وهو أول رأس ينقل في الاسلام، والويل لقاتلك” وهذه الشهادة قد أخبره قبلها بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلا الشهادتين من منبع واحد حيث كان عمرو يقول في حياته، والله لو كنت في جوف حجر لاستخرجني، وقد حدثني بذلك رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، إن رأسي أول رأس ينحر في الاسلام وينقل من بلد إلى بلد، وكان بعد استشهاد الإمام على بن أبى طالب، بدأت مرحلة ثانية من صفحات الجهاد في حياة عمرو بن الحمق، وهي التصدي للأمويين، وكان عمرو صديقا لحجر بن عدي الكندي ورفيقه دربه في الجهاد وشريكه في ثورته.