دور (القوة الناعمة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية) فى حل أزمة الصراع الدينى المستقبلى بين روسيا وأوكرانيا وتركيا

تحليل جديد لأول مرة عالمياً

وضع رؤية مستقبلية لدور (القوة الناعمة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية) فى حل أزمة الصراع الدينى المستقبلى بين روسيا وأوكرانيا وتركيا

تحليل: الدكتورة/ نادية حلمى

الخبيرة المصرية فى الشؤون السياسية الصينية والآسيوية – أستاذ مساعد العلوم السياسية جامعة بنى سويف

دور (القوة الناعمة للكنيسة الأرثوذكسية المصرية) فى حل أزمة الصراع الدينى المستقبلى بين روسيا وأوكرانيا وتركيا

ربما كانت واحدة من أصعب التحليلات العالمية وأكثرهم تعقيداً لدى الباحثة المصرية أكاديمياً، هى تصورى لرؤية مستقبلية خاصة تدور حول (دور الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى إمكانية تصدرها للمشهد الكنسى الدولى الأرثوذكسى لحل الخلاف الدينى الدائر بين القساوسة الروس والأوكرانييين والكاتدرائيات الأرثوذكسية الروسية والأوكرانية)، وبالأخص على أثر قضية تسييس الخلاف الدينى بين الكنيستين لأسباب سياسية بحتة من خلال الساسة الأتراك للعب دور فى تلك الأزمة، عن طريق (إعتراف بطريرك القسطنطينية “بارثلماوس” فى إسطنبول بتركيا بإنفصال الكنيسة الأوكرانية).

لذلك قامت الباحثة المصرية، برصد وتحليل عدد من النقاط التالية لفهم جذور الخلاف بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية ودور تركيا فيه، ثم يبقى الأهم عندى، ألا وهو: أهمية الدور المستقبلى المحورى للكنيسة المصرية الأرثوذكسية الشرقية برئاسة البابا “تواضروس الثانى”، ومدى (قدرة الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر، على القيام بدور دينى كنسى واع لوحدة الشعوب المسيحية الأرثوذكسية الشرقية حول العالم، والمساهمة فى النهاية فى حل الخلاف السياسى بين موسكو وكييف)، والذى تسبب فى إنفصال الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية عن بعضهما البعض فى سبتمبر ٢٠١٨، وذلك على النحو التالى:

١- لاحظت الباحثة المصرية مدى (تدخل الحكومة التركية وتسييسها للشؤون الدينية الكنسية الأرثوذكسية فى مواجهة روسيا وأوكرانيا)، وذلك عبر تدخلها فى الشؤون الكنيسة الأرثوذكسية للكاتدرائية الكبرى فى القسطنطينية، لدرجة (إلزام الرئيس التركى “أردوغان” للقيادات الدينية فى الكنيسة الأرثوذكسية القسطنطينية فى إسطنبول بتركيا، بأن تكون جنسية البابا وبطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الأكبر فى القسطنطينية تركى الجنسية، وذلك بالرغم وجود قساوسة ورهبان وكهنة بارزين من جنسيات مختلفة)، مما يؤكد صحة ما ذهب إليه تحليلى الجديد دولياً، بشأن “تسيس تركيا لقضية الصراع الدينى الكنسى بين روسيا وأوكرانيا لأسباب سياسية متعلقة بتركيا وعلاقاتها السياسية”.

٢- ووفقاً لتحليلى لأسباب تسييس تركيا للدور الدينى للكنيسة القسطنطينية المسكونية التركية فى إسطنبول فى مواجهة روسيا بالأساس، هو تلك الرغبة التركية فى إستغلال تلك الأزمة الدينية الكنسية بين روسيا وأوكرانيا، من أجل (إحداث نوع من التقارب التركى مع أعضاء حلف الناتو والمعسكر الغربى والأمريكى فى مواجهة روسيا، بإستخدام ورقة الضغط الدينى بواسطة الكنيسة القسطنطينية فى إسطنبول بتركيا عن طريق الإعتراف بإنفصال الكنيسة الأوكرانية عن نظيرتها الروسية)، مما يخلق أزمة مشتعلة بين الجانبين لصالح تمرير عدد من السياسات والقرارات التركية فى مواجهة الجميع لتمرير مصالحها. بالنظر لكون إنفصال الكنيستين الروسية والأوكرانية تعد هى الأزمة الكبرى بين الطرفين التى قادت لهذا الصراع فى نهاية المطاف، وربما تعد أحد الأسباب المباشرة لإثارة الأزمة الحالية بين روسيا وأوكرانيا. ثم إتجاه رؤيتى أكاديمياً نحو مدى إمكانية (وضع رؤية مستقبلية لدور الكنيسة الأرثوذكسية المصرية والبابا تواضروس الثانى) فى حل ذلك الصراع الدينى المستقبلى بين روسيا وأوكرانيا وتركيا، ودورها فى وحدة الشعوب المسيحية الأرثوذكسية الشرقية.

٣- وتأتى إثارتى لتلك النقطة، خاصةً بعدما أثير من لغط فى كافة الأوساط القبطية والكنسية الدولية فى الخلط بين (إعتراف كنيسة الروم الأرثوذكس فى الإسكندرية برئاسة “البابا ثيؤدورس” بإنفصال الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية فى كييف عن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فى سبتمبر ٢٠١٨، فى مقابل رفض إعتراف الكنيسة الأرثوذكسية المصرية برئاسة البابا “تواضروس الثانى” بهذا الإنفصال الذى حدث بين الكنيستين الروسية والأوكرانية، حرصاً على روح التسامح الدينى وعدم تسييس قضايا الدين).

٤- ووفقاً لفهمى، فربما كان هذا الخلط فى المواقف بين كنيسة الروم الأرثوذكس بالإسكندرية برئاسة البابا “ثيودوروس” والكنيسة الرئيسية الأرثوذكسية المصرية الأم برئاسة البابا “تواضروس الثانى”، قد تسبب فى حالة من الجدل الشديد، لحين توضيح الكنيسة الأرثوذكسية المصرية التابعة للبابا “تواضروس الثانى” للأمر برمته، والتأكيد على (الإختلاف بين كنيسة الروم الأرثوذكس بالإسكندرية، والتى تتبعها عدة جاليات أجنبية إستقرت هناك، وبين الكنيسة الأرثوذكسية المصرية)، وهى تلك الكنيسة الرئيسية الشرقية القديمة، والتى يتبعها أغلب المسيحيين المصريين.

٥- ومما يؤكد أهمية الدور المستقبلى للكنيسة الأرثوذكسية المصرية للبابا “تواضروس الثانى” بطريرك الإسكندرية إزاء الصراع الدينى ذا المغزى السياسى بين “روسيا وأوكرانيا”، والذى تسبب فى إنفصال الكنيسة الأوكرانية عن الروسية، وهو الأمر الذى تم تشبيهه فى أوكرانيا، بأنه “إنفصال عن أتباع الشيطان”. لذلك، فقد كان أكثر ما أثار فضولى بحثياً وأكاديمياً هو ما أعلنته الكنيسة الروسية الأرثوذكسية فى نهاية ديسمبر ٢٠٢١، من قرارها (ببناء كاتدرائية خاصة بها فى مصر)، وإستصدار بيان رسمى كنسى بذلك، تؤكد فيه:

“لقد تم حل قضية تخصيص قطعة أرض فى القاهرة لبناء كاتدرائية خاصة بنا هناك، حيث ترغب الكنيسة الروسية فى بناء كاتدرائية خاصة بها فى مصر”

٦- وتم تأكيد هذا الخبر الخاص ببناء كاتدرائية روسية جديدة فى القاهرة، من خلال بطريرك الأسقفية الأفريقية “ليونيد كلينسكى”، والذى أكد فى بيان رسمى فى ٣٠ ديسمبر ٢٠٢١، بأنه: “من غير المستثنى إنتقال أساقفة بطريركية الإسكندرية إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية”.

٧- كما جاء تأكيد بطريرك الأسقفية الأفريقية “ليونيد كلينسكى”، كذلك، بأنه:

“بحسب تقديراتنا فى الكنيسة الأرثوذكسية، فلقد تقدم ١٠٢ رجل دين من عموم القارة الأفريقية بطلبات قبولهم إلى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، كما توجد نسبة ملموسة من العدد الإجمالى لرجال الدين، بعض منهم كان ينتظر ذلك منذ عام ٢٠١٩. ونتوقع زيادة عدد الطلبات، كما أن إقامة كنائس الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فى الدول الأفريقية تكون بحسب الحاجة لذلك”

٨- وهنا، يستحضرنى ذلك الجدل المثار وقتها، على إثر (قرار الكنيسة الروسية بقطع العلاقات مع بطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس البابا ثيؤدورس الثانى بعد إعترافه بالكنيسة الأوكرانية المستقلة)، مما أثار لغطاً حينها فى الأوساط القبطية بمصر وعمق الخلاف الدينى بين موسكو وكييف.

٩- فلقد عبرت الكنيسة الروسية فى بيان نشرته عبر موقعها الرسمى باللغة الإنجليزية فى ديسمبر ٢٠١٩، عن (غضبها الشديد لقرار بطريرك الإسكندرية وسائر إفريقيا للروم الأرثوذكس البابا ثيودوروس الثانى الذى دخل فى شراكة مع الإنشقاقيين الأوكران، أى: (الكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية المنشقة)، معلنة التوقف عن ذكر إسم بطريرك الإسكندرية وأفريقيا للروم الأرثوذكس (البابا ثيؤدورس الثانى) أثناء إقامة القداس.

١٠- وقد أعلن البابا “ثيودروس الثانى”، بصفته بطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس، خلال القداس الإلهى الذى أقيم فى نوفمبر ٢٠١٩ بكنيسة “رؤساء الملائكة بالظاهر” فى القاهرة، إعترافه بالأنبا “أبيفانيوس متروبوليت كييف” كرئيس للكنيسة الأوكرانية المستقلة.

١١- كما جاء تأكيد صارم من قبل الكنيسة الروسية الأرثوذكسية، وفقاً لقراءتى لكافة الظروف المحيطة بتلك الوقائع، بأنها قد لاحظت بأن “قرار البابا ثيؤدورس الثانى لم يعرض فى جلسة المجمع المقدس للبطريركية بالإسكندرية الذي عقد في الفترة من ٧ إلى ٩ أكتوبر ٢٠١٩، ولم يتم طرحه للتصويت، وصدر بطريقة غير مألوفة”، مؤكدة أنها ستغلق مكتباً تمثيلياً لبطريركية الإسكندرية فى موسكو وأن كافة (الإبرشيات الروسية الأرثوذكسية فى أفريقيا لم تعد تحت إشراف البطريركية المصرية بل تحت قيادة البطريرك الروسى كيريل مباشرة).

١٢- ولم تصدر أى بيانات متعلقة بهذا الأمر من (بطريركية الروم الأرثوذكس بالإسكندرية)، كما رفض الأنبا “نيقولا أنطونيو”، مطران الغربية وطنطا للروم الأرثوذكس، والمتحدث الرسمى للكنيسة بمصر الرد على أى أسئلة بهذا الشأن عند سؤاله، متعللاً بأنه غير مخول له بالتعليق أو الرد على هذا النوع من الإستفسارات.

١٣- وبعد إشتعال تلك الأزمة التى دبت بين (أتباع كنيسة الروم الأرثوذكسية على خلفية إنشقاق الكنيسة الأوكرانية وإنفصالها عن الوصاية الدينية الروسية عليها المستمرة منذ ٣٣٢ سنة)، عقد رجال الدين الأرثوذوكس مجمعاً واسعاً فى كييف فى أكتوبر ٢٠١٨، لإتخاذ (قرار تاريخى بإقامة كنيسة مستقلة عن الروس بدعم من بطريركية القسطنطينية فى إسطنبول بتركيا)، والتى تعد هى مقر الزعيم الروحى العالمى لنحو ٣٠٠ مليون مسيحى أرثوذكسى حول العالم.

١٤- وأثارت خطوة الإنفصال الكنسى فى أوكرانيا عن روسيا وإعتراف كنيسة تركيا القسطنطينية به، غضباً روسياً واسعاً قررت على إثره الكنيسة الأرثوذكسية الروسية فى أكتوبر ٢٠١٩، بأن تقوم ب (قطع كل العلاقات مع بطريركية القسطنطينية المسكونية)، وذلك إحتجاجاً على موافقتها على طلب أوكرانيا إقامة كنيسة مستقلة. ووصفت الكنيسة الأرثوذكسية الروسية ذلك بأنه (أكبر إنشقاق فى المسيحية منذ ألف عام).

١٥- وأصبحت كنيسة الروم الأرثوذكس فى مصر، بمثابة (الكنيسة الثانية التى تعترف بالكنيسة الأوكرانية المستقلة بعد كنيسة اليونان التى إعترفت بها فى شهر نوفمبر ٢٠١٩، وهو ما أدى أيضاً إلى إعلان الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، قطع علاقات الشراكة مع رئيس الكنيسة الأرثوذكسية اليونانية).

١٦- مع ملاحظة أن الصراع على مستقبل أوكرانيا الروحى ينبع من تدهور العلاقات بين كييف وموسكو بعد (ضم روسيا شبه جزيرة القرم إليها فى عام ٢٠١٤)، فضلاً عن إندلاع قتال إنفصالى فى شرق أوكرانيا أدى إلى سقوط أكثر من عشرة آلاف قتيل.

١٧- وهنا دخلت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية على خط الأزمة بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية ونظيرتها الأوكرانية بسبب التشابه فى الإسم بين (الروم الأرثوذكس والأرثوذكسية)، كما أثار قرار الكنيسة الروسية لغطاً فى بعض وسائل الإعلام الكبرى، بسبب (تشابه إسمى بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية ثيؤدورس الثانى، مع بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية البابا تواضروس الثانى)، مما دفع بالكنيسة الأرثوذكسية المصرية تصدر بياناً تنفى علاقتها به.

١٨- لذلك خرج بيان رسمى من الناطق بإسم الكنيسة القبطية الأرثوذكسية بمصر (القس بولس حليم)، بأن العلاقات مع الكنيسة الأرثوذكسية الروسية أخوية طيبة للغاية، وتم (نفى كل ما تم تداوله فى وسائل الإعلام الغربية بشأن قطع الكنيسة الروسية لعلاقاتها مع الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر).

١٩- وشددت الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى بيانها، بأن (قرار الكنيسة الروسية الخاص بقطع علاقاتها مع الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والبابا تواضروس الثانى بابا الإسكندرية بطريرك الكرازة المرقسية ليس له أساس من الصحة)، وأن القرار الصادر عن المجمع المقدس للكنيسة الروسية خاص بكنيسة الروم الأرثوذكس.

٢٠- وفى تلك الأزمة الكنسية السابقة المشار إليها، قد حدث خلط كبيرىبين الكنيستين نظراً (لأن بطريركية الروم الأرثوذكس وبطريركها يحمل إسم بابا الإسكندرية، ويتشابه إسمه مع إسم البابا تواضروس الثانى، وهو البابا ثيؤدورس الثانى، بطريرك الإسكندرية وسائر أفريقيا للروم الأرثوذكس).

٢١- ونجد بأن الكنيسة المصرية القبطية الأرثوذكسية (لم تتورط فى القضية المثارة بين الكنائس الأرثوذكسية حول إنفصال كنيسة أوكرانيا عن روسيا)، مؤكدة بأنه يربطها علاقات جيدة مع الكنيسة الروسية ويتم تبادل الزيارات بينهما.

٢٢- وهنا لابد من التوضيح، حول إعتبار الكنيسة القبطية الأرثوذكسية هى الكنيسة المسيحية الرئيسية بمصر بجانب طوائف مسيحية أخرى، علما بأن (عدد الأقباط في مصر يبلغ نحو ١٥ مليون شخص يشكلون قرابة ١٥% من الشعب المصرى)، وفق تصريحات سابقة للبابا تواضروس بابا الكنيسة المصرية.

٢٣- وأعتبر قساوسة ورهبان الكنيسة الأرثوذكسية المصرية، بأن ما يحدث هو (قضية سياسية وليست دينية)، كما سنجد بأن اللغط قد نتج هنا من أمرين، هما:

أ) الأمر الأول: هو بأن كرسى كنيستى الروم الأرثوذكس والقبطية الأرثوذكسية مقره بالإسكندرية، وكذلك تشابه إسم بطريرك الروم الأرثوذكس (ثيؤدورس الثانى) والتى تعنى باليونانية “تواضروس” مع إسم بابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية “تواضروس الثانى”، الأمر الذى أوقع وسائل إعلام كبرى فى الفخ.

ب) الأمر الثانى: ونجد هنا، بأن الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لا علاقة لها بالكنيسة الروسية الأرثوذكسية وليست طرف فى النزاع الدائر بين الروم الأرثوذكس.

٢٤- ويمكننا إعتبار أن الأزمة السياسية المندلعة منذ عام ٢٠١٤ بين روسيا وأوكرانيا وراء الشقاق الدينى وإنفصال الكنيسة الأوكرانية عن تبعيتها للكنيسة الروسية، وأعتبر قساوسة الكنيسة الأرثوذكسية فى مصر، بأن “هذا الشقاق نابع من قضية سياسية وليست دينية وبالتالي لن تؤثر على العقيدة أو الإيمان”.

٢٥- ويرى كثير من المسيحيين الأوكرانيين أن (الكنيسة الروسية تفضل المتمردين المدعومين من روسيا فى شرق أوكرانيا). ونفت الكنيسة الروسية فى موسكو أن تكون قد وقعت كأداة سياسية فى أيدى الحكومة الروسية، وقالت إنها تحاول إحلال السلام فى شرق أوكرانيا.

٢٦- وعن تداعيات قرار إنفصال الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية عن قرار قطع العلاقات مع بابا الروم الأرثوذكس بمصر، فيمكننا التوصل إلى (أن الروم الأرثوذكس بمصر هم عبارة عن جالية أجنبية إستقرت تاريخياً بمصر كغيرها من الطوائف، وأن بطريرك الروم الأرثوذكس بالإسكندرية غير أجنبى الجنسية، ولا يتم تعيينه من السلطات المصرية). لذلك يمكننا إعتبار “أن الخلاف الدائر بين الكنائس وبعضها البعض لن يؤثر بالطبع على العلاقات بين موسكو والقاهرة”.

٢٧- أما عن رؤيتى المستقبلية لأبرز أدوار (الكنيسة الأرثوذكسية المصرية) لحل أزمة الصراع الدينى المستقبلى بين روسيا وأوكرانيا وتركيا، فربما يمكن أن يتم ذلك على النحو التالى:

١- أن التقارب القوى بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية، يتيح للقاهرة (لعب دور فى الأزمة الكنسية الدينية الأوكرانية الروسية مستقبلياً، مع ما تشهده العلاقات بين الكنيستين الأرثوذكسيتين القبطية المصرية برئاسة “البابا تواضروس الثانى” ونظيرتها الروسية برئاسة “البابا كيريل” فى موسكو من تقارب شديد). فكانت الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية، وحتى لحظة إعلان الحرب الروسية ضد أوكرانيا، فى حالة تبادل للزيارات ولقاءات مستمرة وتعاون وتقارب بينهما بصورة غير مسبوقة، وقد شمل التعاون بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية عدة مجالات متعددة، منها:

(تبادل الوفود والزيارات، الزيارات واللقاءات الرهبانية والتعاون الأكاديمى والإعلامى والخدمة الإجتماعية والتنمية إلى جانب الحوارات اللاهوتية)

٢- وتمكنت الباحثة المصرية هنا من رصد بعض الزيارات الأخيرة الهامة، والتى كانت لها تأثير إيجابى فى العلاقة بين الكنيستين الروسية والأرثوذكسية المصرية، والتى كان أهمها من وجهة نظرى زيارة وفد من الكنيسة الأرثوذكسية الروسية إلى مصر، بوفد كبير كان يضم قساوسة وكهنة بارزين من المنتمين إلى (الأكاديمية اللاهوتية الروسية)، وذلك فى الفترة من (٦ – ١٣ مايو ٢٠١٩)، بالإضافة إلى اللقاء الكنسى الهام الذى حدث بين “البابا تواضروس الثانى” ونظيره الروسى “البابا كيريل” فى موسكو وإجتماع لجنة الحوار الثنائى بين الكنيسة الأرثوذكسية الروسية والكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى القاهرة (١٨ – ٢٩ مايو ٢٠١٩).

٣- وتأتى أهمية ورمزية دعوة الكنيسة الأرثوذكسية المصرية لوفد بارز من (الأكاديمية اللاهوتية الروسية)، كخطوة مصرية كنسية هامة فى عهد قداسة البابا “تواضروس الثانى” للتقارب مع الكنائس الروسية الأرثوذكسية، وذلك فى مجال تبادل الزيارات والتعاون الأكاديمى بينهما، عبر توجيه الدعوة إلى الأكاديمية اللاهوتية بموسكو لزيارة الكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية خلال الفترة من (٦ – ١٣ مايو ٢٠١٩).

٤- وتأتى رمزية دعوة الكنيسة الأرثوذكسية المصرية إلى (الأكاديمية اللاهوتية بموسكو)، بإعتبارها واحدة من أقدم وأعرق الأكاديميات اللاهوتية فى الكنيسة الروسية الأرثوذكسية وحول العالم، وتقوم بالإشراف على بقية الأكاديميات والكليات اللاهوتية فى الكنيسة الروسية، والتى يبلغ عددها أربع أكاديميات، وتوجد مقارها فى مدن (موسكو – سان بطرسبرج – كييف – منسك) و ٣٣ كلية لاهوتية فى سائر الأنحاء التابعة للكنيسة الروسية. وتأسست (الأكاديمية اللاهوتية بموسكو) فى عام ١٦٨٧ على يد الراهبان “صفرونيوس ويوانيكى”، ومقرها فى (دير الفرا) والتى تعنى (الثالوث القدوس للقديس سرجيوس)، ويبلغ عدد الأساتذة بها ١٣٠ أستاذاً وعدد الدارسين بها ٨٠٠ طالب بالقسم الصباحى و ١٢٠٠ طالب بالقسم المسائى، ويترأسها حالياً رئيس الأساقفة.

٥- والملاحظة الجديرة بالإعتبار هنا، هو إمتداد العلاقات بين الكنيستين القبطية الأرثوذكسية المصرية والروسية الأرثوذكسية لأكثر من قرنين من الزمان، فالمطران الروسى “بورفيرى أوسبنسكى” قد زار مصر وكنيستها الأرثوذكسية عدة مرات فى الفترة من (١٨٠٤ – ١٨٨٥)، وكان حريصاً على التقارب مع الكهنة والقساوسة المصريين الأرثوذكس، كما كانت له زيارات متعددة لمصر وسيناء وكنائس الشرق، وله كتابات كثيرة عن الأقباط المصريين والكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مصر، وكان يهتم بالجذور التاريخية للمسيحية، وإهتم (بإعادة وحدة الكنائس وكان له مشروع للوحدة المسيحية).

٦- وفى عهد قداسة البابا “تواضروس الثانى” بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، جاءت الزيارتان التاريخيتان لقداسته للكنيسة الروسية الأرثوذكسية، فى (٢٨ أكتوبر – ٤ نوفمبر ٢٠١٤)، وكانت الزيارة الثانية له فى الفترة من (٢٣ – ٢٥ مايو ٢٠١٧)، كما حدثت فى السنوات الأخيرة تقارب ونمو كبير فى العلاقات بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية.

٧- كما توقفت الباحثة المصرية كثيراً عند رمزية الدعوات الكنسية الدينية الأرثوذكسية المصرية لنظيرتها الروسية الأرثوذكسية والأوكرانية الأرثوذكسية، وذلك قبل إندلاع الحرب الروسية- الأوكرانية، متزامناً مع (دعوة الكنيسة المصرية الأرثوذكسية لزيارة كافة مسيحى وقساوسة الكنائس الأرثوذكسية القبطية حول العالم)، مع الحرص الدائم على إستقبال الزائرين فى الكنائس الأرثوذكسية القبطية المصرية إستقبالاً رسمياً مشرفاً من قبل الآباء القساوسة وكهنة الكنيسة الأرثوذكسية، وحرص رجال الدين المسيحى الأرثوذكسى فى مصر على (تقديم شرح واف عن كل كنيسة أو مكان مقدس فى مصر بالنسبة لرحلة العائلة المقدسة، وإعطاء تفاصيل عن مدى قيمته الأثرية والتراثية بالنسبة لمصر ومسيحى العالم كله).

٨- كذلك إزدهرت العلاقات الكنسية واللاهوتية الدينية بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية فى عهد قداسة “البابا شنودة الثالث”، وذلك فى إطار تبادل الزيارات فى المناسبات الدينية المختلفة، وكذلك من خلال (حوارات لاهوتية تجمع بين الكنائس الأرثوذكسية القبطية والسريانية والأرمنية من جهة والكنيسة الروسية الأرثوذكسية من جهة أخرى).

٩- ونلاحظ هنا، (مدى إرتباط كلاً من رجال الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية بالمعالم الدينية المقدسة المسيحية فى مصر). فضلاً عن الحرص الدائم لهما منذ سنوات طويلة على زيارة أهم معالم السياحة الدينية والأثرية بمصر، وخاصةً (تتبع كافة مراحل وآثار توثيق رحلة العائلة المقدسة بمصر). وستجد العديد من الصور لتوثيق زياراتهم إلى المناطق الدينية المقدسة فى القاهرة، مثل:

(زيارة المعالم التراثية والدينية المقدسة المسيحية فى منطقة مصر القديمة بالقاهرة، الإهتمام بآثار المتحف القبطى وعمل جولة تفصيلية به، الحرص الدائم على تنظيم رحلات خاصة لزيارة الكنيسة المصرية المعلقة، وزيارة عدة كنائس، مثل: كنيسة أبو سرجة، لوجود المغارة الأثرية التى مكثت بها العائلة المقدسة، كنيسة القديسة بربارة، كنيسة مارجرجس للروم الأرثوذكس، وغيرها)

١٠- ويبقى الشئ اللافت للنظر عندى، هو ذلك الإهتمام الشديد والشغف الذى حللته الباحثة المصرية لعدة زيارات سابقة، من قبل رجال الكنيسة الأرثوذكسية فى روسيا وأوكرانيا وتركيا، بل وشعوبهم المسيحية الأرثوذكسية المتدينة فى تلك الدول، ومدى شغفهم بتعلم (الألحان القبطية المصرية بل واللغة المصرية القبطية القديمة)، والتعرف على أبرز الآثار المسيحية الدينية فى مصر، وعلى رأسها “مسار رحلة العائلة المقدسة والمتحف القبطى والكنائس والأديرة القديمة”، لذلك، فأعتقد بأن (الدور المستقبلى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية المصرية للتوسط فى صراعات وأزمات وإختلاف وجهات نظر الكنائس الأرثوذكسية الأخرى حول العالم، والمساهمة فى حل وتذويب الخلافات بينهم، يلزمه العديد من الجهود الدؤوبة لتوثيق التعارف بين الجانبين فى إطار ما أطلق عليه من الناحية الشخصية “القوة الناعمة للكنيسة المصرية الأرثوذكسية”).

١١- إن فهم عقلية الآخرين لهو مكسب هام كنسياً، وهو ما يتوجب معه وفقاً لفهمى لدور الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى حل الصراعات، بأن (تتبادل الخبرات والأساتذة والدارسين مع ممثلى الكنائس الأخرى، ولاسيما محل تحليلنا فى روسيا، أوكرانيا، تركيا)، بل ولإعداد الدراسات وعمل المناقشات المشتركة للرسائل والأبحاث والأطروحات العلمية ما بين (الأكاديمية الروسية اللاهوتية والكلية الإكليريكية بالعباسية فى القاهرة). على أن يتم الإتفاق على تبادل الزيارات والوفود بين رجال الدين المسيحى فى مصر ونظرائهم فى كنائس روسيا وأوكرانيا وتركيا وإستضافتهم بإستمرار فى مصر، لتعميق جذور التعاون معهم.

١٢- وفى إجتهادى الشخصى، فإن إقامة مائدة للحوار، تجمع بين (ممثلى الكلية الإكليريكية فى مصر ومعهد الدراسات القبطية مع وفد الأكاديمية الروسية وبحضور بعض أعضاء لجنة العلاقات بين الكنيستين، لتحديد أوجه التعاون بين المؤسسات التعليمية في الكنيستين) سيكون فى صالح الدور المصرى مستقبلياً، حيث تبرز هنا أبرز مجالات التعاون بين الكنيسة الأرثوذكسية المصرية مع غيرها، من خلال:

(تبادل زيارات الأساتذة والطلاب، ترجمة المطبوعات، وتبادل المطبوعات، تعليم اللغات، البعثات التعليمية، تنظيم المؤتمرات، مجالات الفنون، التدرب على فن الأيقونات المصرى القديم)، على أن يتم صياغة ذلك صراحةً فى (هيئة توصيات لرفعها للجنة العلاقات بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية، للتعويل على الدور المصرى المستقبلى عبر كنيستنا المصرية فى حل وإجتياز هذا الإختبار بنجاح).

١٣- وربما فإن (الإهتمام فى كنائس مصر برجال الدين المسيحى الأرثوذكسى فى كنائس روسيا وأوكرانيا وتركيا، كلها عوامل تدعم جهود الكنيسة الأرثوذكسية المصرية فى “توحيد الشعوب المسيحية الأرثوذكسية الشرقية”)، وذلك عبر دعوتهم فى مصر لإلقاء محاضرات فى كنيسة الكلية الإكليريكية، وربما الإستعانة بهم كمتخصصين وأساتذة وباحثين زائرين فى (معهد الدراسات القبطية وقسم الألحان بالمعهد بالنسبة للمتخصصين). على أن يتزامن ذلك مع تعريفهم على (أقسام معهد الدراسات القبطية فى مصر، ثم دعوتهم لتفقد المكتبة الضخمة الخاصة بالمعهد)، والتى تحوى تراث كامل وتاريخ شامل للتراث المسيحى فى مصر، وإقامة ومعارض مصرية مشتركة معهم للفن القبطى بإشراف قسم الفن بمعهد الدراسات القبطية المصرية، بما يشمله من: (أيقونات، أعمال موزاييك، نسجيات، أعمال الزجاج الملون، الأعمال الفخارية)، وغيرها.

وبناءاً على رصدى وتحليلى الشامل لملامح التقارب بين الكنيستين الأرثوذكسيتين المصرية والروسية، ففى إعتقادى الشخصى بأن عمل وتنسيق “مبادرة من الكنيسة الأرثوذكسية المصرية القبطية وقساوسها للتقارب مرة أخرى وتقريب وجهات النظر بين الكنيستين الأرثوذكسيتين الروسية والأوكرانية بالأساس بعد إنتهاء الحرب الحالية، بل ولإفتتاح فروع لكنائس مصرية أرثوذكسية فى كلاً من روسيا وأوكرانيا ثم تركيا للتقارب مع بطريرك القسطنطينية المسكونى فى إسطنبول”، على أن تسبقها عدة مبادرات أخرى كما ذكرت فى تحليلى السابق، وإبراز عدة مجالات للتعاون المشترك بين الكنيسة المصرية الأرثوذكسية القبطية والبابا “تواضروس الثانى” مع نظرائهم فى الكنائس الأخرى، عبر دعوة قساوسة وكهنة ورهبان الكنائس الأرثوذكسية الروسية والأوكرانية والتركية لإلقاء محاضرات وعمل أنشطة ودراسات دينية لاهوتية كنسية متنوعة فى (الكلية الإكليريكية اللاهوتية بالعباسية فى القاهرة ومعاهد الدراسات القبطية واللاهوتية المصرية).

وأعتقد بأن (إتاحة الفرصة لعدد كبير من الأساتذة والدارسين المصريين للتقارب مع نظرائهم الروس والأوكرانييين والأتراك، مما يسهل فى النهاية فهم أفضل لأفضل المداخل للعب دور حقيقى مستقبلى تساهم فيه الكنيسة الأرثوذكسية المصرية بدورها التاريخى فى توحيد الشعوب المسيحية الأرثوذكسية الشرقية فى العالم)، وبالأخص فى ظل الخلافات الممتدة بين كنائس روسيا وأوكرانيا ثم تركيا لاحقاً بعد إعترافها بإنفصال الكنيسة الأوكرانية عن الروسية فى سبتمبر ٢٠١٨، وهو ما أشجع عليه كهنة وقساوسة وآباء الكنيسة المصرية الأرثوذكسية القبطية والبابا “تواضروس الثانى” لما له من أهمية تاريخية وثقافية قصوى لمصر فى العالم، فى إطار ما أطلق عليه، بأنه يشكل أحد ملامح (القوة الناعمة للكنيسة المصرية أمام العالم).