أصل البر في الإسلام ” جزء 10″

الدكروى يكتب عن أصل البر في الإسلام ” جزء 10″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أصل البر في الإسلام ” جزء 10″

ونكمل الجزء العاشر مع أصل البر في الإسلام، وأن الكذب خلق قبيح لا يرتضيه العقلاء، ولا ينخدع به النبلاء, وأنه مهما طال حبله فسوف يقطع يوما ما، وثانيا هو الشرع، حيث تظاهرت الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة في الأمر بالصدق والنهي عن الكذب، وقد أعد الله تعالى أعظم الثواب للصادقين، ومقت الكذب والكاذبين، وأعد لهم عذابا أليما، وثالثا هى المروءة، فمن لديه مروءة فإنها لا تسمح له بالكذب بأي حال من الأحوال، ورابعا هو الفوز بالثناء الحسن في الدنيا، وبالنجاة يوم القيامة، يوم ينفع الصادقين صدقهم، ويكونون ممن أنعم عليهم ربهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا، وخامسا هو الظفر بمحبة الناس، فإن الأمم لا تنال محبتها بالشعارات البراقة.

والدعايات الزائفة, بل بصدق اللسان, وصدق التوجه, وصفاء السيرة, وروعة المنهاج، وسادسا هو النصر والرفعة والتمكين، فإن الصادق لا يخذله ربه أبدا، أما الكاذب فمهما جنى من كذبه، وترقى بباطله، وتكسب من بهتانه، فمصيره الخذلان، وعاقبته الخسران، وسابعا هو راحة البال، وطمأنينة الخاطر، وهدوء النفس، وانشراح الصدر، فتلك سمات لا يجنيها إلا الصادقون، وإن من منازل إياك نعبد وإياك نستعين هى منزلة الصدق، وهو منزل القوم الأعظم الذي منه تنشأ المنازل كلها، والطريق الأقوم الذي من لم يسر عليه فهو من المنقطعين الهالكين، به تميز أهل النفاق من أهل الإيمان، وأهل الجنان من أهل النيران، وهو سيف الله تعالى في أرضه الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا أرداه وصرعه.

من صال به لم ترد صولته، ومن نطق به علت على الخصوم كلمته، هو روح الأعمال ومحك الأحوال، والحامل على اقتحام الأهوال، وهو الباب الذي يدخل منه الواصلون إلى حضرة ذي الجلال، وهو أساس بناء الدين وعمود فسطاط اليقين، ودرجته تالية على النبوة التي هي أرفع درجات العالمين، ومن مساكن النبيين تجري العيون والأنهار إلى مساكن الصديقين، كما كان من قلوبهم إلى قلوبهم في هذه الدار مدد متصل ومعين، وقد أمر الله تعالى أهل الإيمان أن يكونوا مع الصادقين، وخص الله المنعم عليهم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وقد أخبر الله تعالى عن أهل البر وأثنى عليهم بأحسن أعمالهم من الإيمان والإسلام، والصدقة والصبر بأنهم أهل الصدق، وهذا صريح في أن الصدق في الأعمال الظاهرة والباطنة.

وأنه هو الإيمان والإسلام، وقد أخبر الله سبحانه وتعالى أنه في يوم القيامة لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله إلا صدقه، فقال تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم لهم جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضى الله عنهم ورضوا عنه ذلك الفوز العظيم ” وإن الصدق هو مطابقة القول الضمير والمخبر عنه، فإذا طابق قولك ما في ضميرك والشيء الذي تخبر عنه فأنت صادق، والعكس بالعكس، فإذا انخرم شرط لم يكن صدقا، بل إما أن يكون كذبا أو مترددا بينهما يعني بين الصدق والكذب، وإن الصدق على مراتب، والصادقون على مراتب، فالصديق أبلغ من الصدوق، والصدوق أبلغ من الصادق، فأعلى مراتب الصدق هي مرتبة الصديقية التي أشار الله تعالى إليها بقوله كما جاء فى سورة النساء ” فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء ”

وقد سُمي أبو بكر الصديق رضى الله عنه “صديقا” لكثرة تصديقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن عبارات السلف في الصدق، أنه قال عبد الواحد بن زيد “الصدق الوفاء لله بالعمل” وقيل هو موافقة السر النطق، وقيل هو استواء السر والعلانية، وقيل أن الصدق هو القول بالحق في مواطن الهلكة، وقيل أنه كلمة حق عند من تخافه وترجوه، وقال بعضهم أنه لا يشم رائحة الصدق من داهن نفسه أو غيره، وقال بعضهم أن الصادق لا تراه إلا في فرض يؤديه أو فضل يعمل فيه، وقال الجنيد “حقيقته أن تصدق في موطن لا ينجيك منه إلا الكذب” والصدق هو من صميم دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يدعو إلى الأسس ولم يكن في دعوته في مكة الفروع ولا التوسع في الأحكام من الحلال والحرام، وهكذا فإن الصدق من أسس دعوة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو في مكة قبل أن يهاجر إلي المدينة.