أصل البر في الإسلام ” جزء 7″

الدكروى يكتب عن أصل البر في الإسلام ” جزء 7″

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

أصل البر في الإسلام ” جزء 7″

ونكمل الجزء السابع مع أصل البر في الإسلام، فإن المنافقين هم الذين يتحججون بالأعذار، وقد يكون عذرهم أقبح من الذنب، كما ذكر الله عنهم مقالتهم وعذرهم السخيف في سورة الفتح فقال تعالى ” شغلتنا أموالنا وأهلينا ” وكما فضحهم الله عز وجل في سورة التوبة فقال تعالى ” ومنهم من يقول ائذن لى ” أي في ترك الجهاد، وذلك في غزوة تبوك، ” ولا تفتنى ” أي برؤية نساء العدو، فقال الله عز وجل ” ألا فى الفتنة سقطوا وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ” ومن العجب أن المنافق يريد القعود وليس له عذر، وأن المؤمن قد يكون معذورا من الله عز وجل، ولكنه يصر على الجهاد والتضحية والطاعة لصدق إيمانه، كما كان الرجل الكبير في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى به يتهادى بين الرجلين.

حتى يقام في الصف، وهذا عمرو بن الجموح، شيخ طاعن في السن، يصرّ على الخروج مع المسلمين للقتال في غزوة أحد، مع أنه رجل أعرج عذره الله بقوله تعالى كما جاء فى سورة النور ” ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ” ويبيّن له المسلمون أن الله تعالى عذره، فيقول إني أريد أن أطأ بعرجتي الجنة، ويقاتل ويكرمه الله عز وجل بالشهادة، وهذا ابن أم مكتوم رجل أعمى معذور من الله عز وجل هو الآخر في ترك القتال، ومع ذلك يطلب من المسلمين أن يعطوه اللواء ليرفعه لهم في المعركة قائلا فإنني رجل أعمى لا أستطيع الفرار، وأولئكم قوم لا دواب لهم يغزون عليها، ولا مال لهم ينفقونه في سبيل الله، فهم معذورون من الله عز وجل.

ولكنهم لا يفرحون أن ظروفهم خلصتهم من عبء الجهاد، بل يبكون على عدم استطاعتهم مشاركة إخوانهم، فاحذروا من خداع أنفسكم، وتبرير التكاسل لها عن العبادة أو الطاعة، أو عن العلم والبذل والتضحية، ومشاركة إخوانكم في الدعوة والأعمال، واحذروا من تبرير الترخص في المعاصي، واختراع الأعذار الواهية فإن النفس ضعيفة، ونزاعة للراحة والخمول، وأمارة بالسوء، إلا ما رحم ربي، إن ربي غفور رحيم، فقال تعالى فى سورة التوبة ” يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ” فالصدق خلق المؤمنين، وعنوان الموحّدين، وراية المتقين، وهو أساس الدين، وعمود اليقين، والصدق هو مرضاة الباري، ومنجاة المسلم، والهادي إلى الجنة، والمباعد من الله

من تحلى به كمل دينه، وزكا قلبه، وصفت نفسه، وعظمت هيبته، وزادت محبته، وفرض احترامه، وحسّن مقامه، وبالصدق يتميز أهل الإيمان من أهل النفاق، وسكان الجنة من سكان النيران، وهو سيف الله في الأرض الذي ما وضع على شيء إلا قطعه، ولا واجه باطلا إلا صرعه، والصدق روح الأعمال، ومحك الأحوال، ومقياس التقوى، ودليل المروءة، وبريد العزة، ومضفي الهيبة وهو طريق السعادة، ومجلبة البركة، ورافع الدرجة، ومورث الطمأنينة، فما أمس حاجتنا إلى عودة صادقة إلى رحاب الصدق، وتزود من معينه، وتطيب بطيبه، وتزين بجماله، خصوصا في زمن كثر فيه الكذب، وتلاشى الصدق، وامتهن الخداع، وساد المكر، وطغت المراوغة، واستسيغ الغش.

وأرعد النفاق، وأزبد الباطل، حتى أصبح الصدق وأهله كالنجوم القليلة في الليل الحالك، والمصابيح الصغيرة في الظلام الدامس، وإن للباطل انتفاشا، وللكذب بريقا، وللخداع صولات، ولكنه سرعان ما يتلاشى، ولا يلبث أن يتهدم، ولا يبقى إلا الصدق، ولا يسود إلا الحق فقال الله تعالى فى سورة الإسراء ” قل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ” ولقد أصبح الصدق معدنا نادرا، وخلقا غريبا، أهله قلة، وأربابه معدودون، والجولة في هذا الزمن جولة الكذب وأهله، والزيف وحملته، والباطل ومروجيه، كذب على شتى المستويات، وجميع الطبقات، ويا ليت من يقصر يكون صادقا، ويقول ما كان لي من عذر، فهو أكرم له عند الله عز وجل وأنجى له من اختراع المعاذير التي يحسن بها صورته أمام الخلق ليحظى برضاهم.