الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية “جزء 3”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية “جزء 3”
ونكمل الجزء الثالث مع الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، وقد قال ابن كثير، وابن خلدون فى ذلك “وأنه لما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان يظن أنه لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في الملك مقامه وكذلك عهد معاوية إلى يزيد خوفا من افتراق الكلمة بما كانت بنو أمية لم يرضوا تسليم الأمر إلى من سواهم، فلو قد عهد إلى غيره اختلفوا عليه، مع أن ظنهم كان به صالحا، ولا يرتاب أحد في ذلك، ولا يظن بمعاوية غيره، فلم يكن ليعهد إليه، وهو يعتقد ما كان عليه من الفسق، حاشا لله لمعاوية من ذلك، وقد أعلن معاوية بن أبي سفيان خوفه هذا على عبد الله بن عمر، كما كان يدعو الله خوفا من أن يكون تعيين يزيد وليا للعهد هو حب الأب لابنه.
فقال إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع، ثم قال معاويه “اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني إنما وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته” وقد طرحت فكرة البيعة أولا على أهل دمشق، فصعد خليفة المسلمين معاوية بن أبى سفيان، على المنبر وأعلن أنه اختار يزيدا خليفة بعده فرضي أهل دمشق وبايعوه بدون أي اعتراض، وفي سنة واحد وخمسين للهجرة أرسل الخليفة معاوية إلى البلدان بأن يفد إليه الناس، فكان مما أتى، وفد أهل الشام وفيهم الضحاك الفهري، وثور السلمي، وعبد الله الأشعري، وعبد الله الفزاري، وعبد الرحمن الثقفي، وحسان الكلبي، وكان وفد أهل البصرة، وهم ألأحنف بن قيس التميمي.
وكان وفد أهل المدينة، منهم محمد الأنصاري، وقد اجتمع الخليفة معاويه بهم ما عدا ممثل أهل المدينة فتكلم معه على انفراد، وقال كل واحد منهم رأيه، وقال واحد منهم وهو محمد الأنصارى، وما أصبح اليوم على الأرض أحد أحب إلي رشدا من نفسك سوى نفسي، وإن يزيد أصبح غنيا في المال، وسطا في الحسب، وإن الله سائل كل راع عن رعيته، فاتقي الله وانظر من تولي أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وقال الضحاك الفهرى، يا أمير المؤمنين، إنه لابد للناس من والي بعدك، والأنفس يغدى عليها ويراح، وإن الله تعالي قال “كل يوم هو في شأن” ولا ندري ما يختلف به العصران، ويزيد ابن أمير المؤمنين في حسن معدنه وقصد سيرته، من أفضلنا حلما وأحكمنا علما، فوله عهدك واجعله لنا علما بعدك.
فإنا قد بلونا الجماعة والألفة، فوجدناها أحقن للدماء، وآمن للسبل، وخيرا في العاقبة والآجلة، وقال عمرو بن سعيد أيها الناس، إن يزيد أمل تأملونه، وأجل تأمنونه، طويل الباع، رحب الذراع، إذا صرتم إلى عدله وسعكم، وإن طلبتم رفده أغناكم، جدع قارح، سوبق فسبق، وموجد فمجد، وقورع فقرع، فهو خلف أمير المؤمنين ولا خلف منه، وقال زيد بن المقنع أمير المؤمنين هذا، وأشار إلى معاوية، فإن هلك فهذا، وأشار إلى يزيد، فمن أبى فهذا، وأشار إلى السيف، وقال الأحنف بن قيس التميمى، يا أمير المؤمنين، أنت أعلم بيزيد في ليله ونهاره، وسره وعلانيته، ومدخله ومخرجه، فإن كنت تعلمه لله رضا، ولهذه الأمة، فلا تشاور الناس فيه، وإن كنت تعلم منه غير ذلك فلا تزوده الدنيا وأنت تذهب إلى الآخرة.
ثم تمت البيعة ليزيد على ذلك، وبعدما بايعت الوفود ليزيد، أرسل معاوية ابن أبي سفيان، إلى واليه على المدينة مروان بن الحكم بأخذ البيعة ليزيد، فخطب مروان فيهم وحض الناس على الطاعة وحذرهم الفتنة، ودعاهم إلى بيعة يزيد وشبهها بعهد أبي بكر الصديق، لعمر بن الخطاب، رضى الله عنهم أجمعين، إلا أن عبد الرحمن بن أبي بكر رفض البيعة وأنكر أن تكون متشابهتين مما أدى لحصول خلاف بينه وبين مروان، وبعد ذلك، أرسل الخليفة رجلا آخر لعل أهل المدينة يوافقون على البيعة، وهو زياد ابن أبيه فخطب فيهم وقال يا معشر أهل المدينة، إن أمير المؤمنين حسن نظره إليكم، وإنه جعل لكم مفزعا تفزعون إليه، وهو يزيد بن معاويه ابنه، إلا أن أهل المدينة رفضوا مرة أخرى.