الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع الخليفة الأموي الثاني يزيد بن معاوية، إذ أن الرباط باب من أبواب الجهاد، هذا ولما وصلت أنباء مقتل عقبة وأصحابه إلى الخليفه عبد الملك بن مروان، فقد استشار أهل الرأي فيمن يأخذ بثأر عقبة، ويتولى قيادة الجيش من بعده، فأشاروا عليه بأن ينتدب زهير بن قيس، إذ هو صاحب عقبة واعرف الناس بسيرته وأولاهم بأخذ ثأره، وكتب عبد الملك بن مروان إلى زهير في برقة، يأمره أن يتوجه إلى إفريقية وهى تونس، لقمع ثورة المرتدين والثأر لعقبة بن نافع، وأمده بالمال والرجال، وقد خرج زهير على رأس جيش كبير، حتى بلغ القيروان سنة سبعه وستين من الهجره، وهناك التقى زهير بكسيله وجيشه في معركة طاحنة، أسفرت عن مقتل كسيله، واندحار جيشه.
ودخل زهيرا مدينة القيروان ظافرا منتصرا، ورأي فيها ملكا عظيما ورفاهية وبذخا فخاف أن تميل نفسه إلى الحياة والترف والرفاهية، أو أن تطمع إلى الحكم والولاية، وهو إنما جاء للجهاد في سبيل الله، ولما يبقي أمامه إلا أن يرجع إلى أرض المشرق التي عاش فيها حياة الزهد والعبادة وقد رافقه في رجوعه جماعة من كبار المجاهدين، وقد صادف أن أغارت سفن رومانية على شاطئ درنة، وعاثت في المدينة قتلا ونهبا وسبيا، وتلقى زهير وأصحابه نبأ هذه الغارة وهم يسلكون طريق الصحراء الشرقية من برقة فلووا أعنة خيولهم نحو الساحل، ولما دنوا من المراكب المغيرة رآهم الأسرى الذين وقعوا في قبضة المغيرين، وهم يقادون إلى المراكب مكرهين فاستغاثوا بهم، فثارت حمية زهير ونادى أصحابه.
فنزلوا عليهم وهم العدد القليل، واشتبكوا مع الروم المغيرين واستبسل زهير ورفاقه، ولكن جموع الروم أحاطوا بهم من كل جانب فاستشهد زهير ورفاقه، وكان في ساحة المعركة الغير متكافئة، وتمكن الروم من النجاة واقلعوا بمراكبهم يحملون الأسرى والغنائم، ودفن زهير وصحبه في البقعة التي عرفت باسم جبانة الصحابة، بمدينة درنة، وهذا وقد شرفت البقعة التي ضمت رفات، زهير بن قيس، ورفاقه بمدينة درنة فكانت وما زالت مقصداً للزوار من سكان المدينة والقادمين إليها يتبركون بهؤلاء الشهداء الأبرار ولاسيما إنهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن التابعين له، وقد برز من بين رفاق زهير الذين استشهدوا معه مجاهدان كبيران هما عبد الله بن بر القيسي.
وأبو منصور الفارسي، وقد شيدت بجبانة درنة، ثلاثة أضرحة وهي ذات قباب من الطراز المعروف في بناء أضرحة الأولياء والصالحين، وكان الضريح الأول لزهير بن قيس، ويقع على يسار الداخل، يليه الضريح الثاني وهو لعبد الله بن بر القيسي، والثالث ضريح كان لأبي منصور الفارسي، ويقع على يمين الداخل، وبابه لجهة الغرب، وبين هذه الأضرحة الثلاثة في مواجهة الداخل مبنى يشبه الحجرة الصغيرة، قد أقيم الثلاثة على مدخل المغارة، التي دفن فيها بقية الشهداء من رفاق زهير بن قيس، ويبلغ عددهم نحو سبعين مجاهدا من رفاق زهير، وكان ذلك على أصح الروايات، وقد تم تشييد هذه الأضرحة في القرن الحادي عشر الهجري، ونعود الى الخليفه يزيد بن معاويه، حيث سار يزيد على خطة أبيه معاويه في الصوائف.
ففي عام واحد وستين للهجرة، أرسل مالك بن عبد الرحمن الخثعمي إلى أرض الروم، ثم أرسل يزيد صائفة بقيادة مالك بن عبد الله إلى مدينة قونية، وهى مدينة تركية، وهي محافظة تحمل نفس الاسم تقع في وسط جنوب الأناضول، وقد بلغت ذروة مجدها عندما كانت عاصمة الدولة السلاجوقية قبل الغزو المغولي، وبها موقع معركة قونية التي انتصر فيها الجيش المصري على العثمانيين، وفى عهد يزيد بن معاويه، شارك فيها الخثعمي، ومالك الخثعمي، وهو أبو حكيم، ويعرف بمالك السرايا، أو مالك الصوائف، وقد ولي الصوائف وهى الحملات الصيفية، في زمن معاوية بن أبي سفيان، ثم في زمن ابنه يزيد، ثم في زمن عبد الملك بن مروان، وقد مات غازيا في أرض الروم، وقيل أنه كسر المسلمون على قبره أربعين لواء حدادا عليه.