ليس لها أحد.. مأساة زوجة على عكازين.

ليس لها أحد..

مأساة زوجة على عكازين.

تتألم .. تتمزق.. تتبعثر.. يشربها القلق ويأكلها.. يسحقها شعور بالإخفاق، فما كان منها إلا أن تقاوم وتصمد، وتواجه بربرية أحزانها الصاخبة بإصرار بالرغم من آلامها.

حيث اكتشفت أن كل شيء ضاع وانتهى.. زوجها.. أولادها.. صحتها.. اموالها. فأصبحت مشلولة عاجزة مغلوبة على أمرها.. لكن هبت من رقدتها وتحاملت على عكازها، ووقفت أمام محكمة القاهرة للأحوال الشخصية تروي مأساة حياتها!

أخذت تروي بصوتها الجريح الخافت الذي لايصل إلى منصة القاضي العالية، والذي بادرها قائلا:: علي صوتك شوية ياست.

لاترد، وانخرطت في نحيب صامت، ودموعها تتساقط على صدرها، ثم استطردت قائلة: منذ مايزيد على ٢٠ عاما كنت طالبة في الثانوية العامة، وكان هو في كلية الهندسة وتربطنا جيرة قوية، نقطن في عمارة واحدة، في دور واحد الشقة بجوار الشقة، ومن عادة سكان الأحياء الشعبية أن تتولد بينهم المحبة والمودة والألفة، ويعيشون كاسرة واحدة، وكانت أمي وأمه لايفترقان، ولايخفيان عن بعضهما شيئا، فأمي كانت ارملة رفضت أن تتزوج بعد وفاة ابي، وكرست حياتها من أجلي انا وشقيقتي الكبرى التي تزوجت قبل أن تنتهي من دراستها الجامعية عندما طرق بابنا تاجرا ميسور الحال ورفض أن زوجته تعمل، وارادها ربة منزل وأسرة.

تولد الحب بيني وبين ابن الجيران، ونشات بيننا قصة حب عنيفة وعندما تخرج من الجامعة كان لابد ان تتتوج هذه القصة بالزواج، وبالفعل وضعت امي يدهها في يد امه، وتم الاتفاق على كل شيئ، وعندما تخرجت من كلية الآداب تم تعييني مدرسة بإحدى مدارس الفتيات، وتم زواجنا واقام زوجي معنا في الشقة التي امتلكها انا وامي.

وتسترسل وهي تستعيد قصة حياتها قائلة: مرت أول سنوات الزواج سعيدة وموفقة، وتوفيت حماتي، والحق اننا كنا أسرة مقطوعة من شجرة لم يكن لها أهل ولا أقارب بسبب أن أمي تزوجت من أبي دون رغبة أسرتها كما اعتبروها خرجت عن تقاليدهم، ورفضت أن تتزوج ابن عمها، وكان زوجي له نفس ظروف اسرتنا، وأصبح هو رجلنا الوحيد، وكان كل اسرتنا، واعطته أمي توكيلا لتحصيل الإيجار من سكان العمارة التي كنا نقيم فيها، وحررت له توكيلا ببعض الإيجار ومحاسبة السكان.

ومرت ١٠ سنوات أنجبت خلالها ٣ بنات، وبدأت الدموع تنذرف من عينيها، وقالت: ماتت أمي وبدأ زوجي تتغير أخلاقه وتصرفاته، حيث كان يتخذ من شقة والدته الخالية وكرا للسهرات مع أصدقاء السوء، وشرب الخمور، وتدخين المخدرات، ولايعود إلا مع الساعات الأولى من الصباح، وتمادى في الأمر وأخذ يحضر الساقطات حتى اشتكى الجيران إلى قسم الشرطة، لكنه أخذ يجري وراء شهواته ونزواته، وملذاته، واهمل عمله، وارهقني بمطالبه، وبدأ يستولى على مرتبي كل شهر، ويتركني انا وبناتي نقاسي الحرمان، حتى مصاريف المدرسة لم يقوم بسدادها فاضطررت أن ابيع مصوغاتي حرصا على مستقبل بناتي.

وأضافت الزوجة قائلة: ظللت أعيش في دوامة من المتاعب، وفي أحد الأيام فوجئت بمالك جديد باع له زوجي العمارة التي ورثتها عن أمي بموجب التوكيل الذي حصل عليه منها أثناء حياتها، لم تتحمل أعصابي الصدمة، واصبت بارتفاع في ضغط الدم وبجلطة في المخ أثرت غلى المراكز العصبية.

خرجت من المستشفى بعد ٣ أشهر محمولة على كرسي متحرك بعد أن أصابني الشلل، وبالرغم من كل ذلك لم يرحم ضعفي وعجزي، أو يقف بجانبي في مرضي، لكنني فوجئت به بدخل علي غرفة النوم يطلب مني أن اتنازل له عن الشقة التي أقيم فيها مع بناتي، وعن المفروشات التي هي ملكي، وعندما رفضت هددني بالطلاق، وعدت إلى مركز التأهيل المهني، وبعد عودتي إلى الشقة وجدتها مغلقة وأنه جاء أثناء غيابي وأخذ أطفالي في مكان بعيد، لم أتحمل الصدمة مرة اخرى ووقعت مغشيا علي، وعندما أفقت وجدت نفسي في بيت زميلة لي لازالت تستضيفني في بيتها.

وصمتت الزوجة للحظات بينما كان نحيب بكاءها يزداد وتدخل محاميها يطلب لها نفقة وأنها كانت قد أقامت دعوى ضد زوجها بفسخ عقد بيع عمارتها وطالب ضم أطفالها إليها، وفجأة صرخت الزوجة قائلة: لا أريد عمارات.. ولا أموال.. أريد بناتي.

وأرسلت المحكمة في طلب الزوج لسماع أقواله