أم البشر حواء ” جزء 4″

الدكرورى يكتب عن أم البشر حواء ” جزء 4″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

أم البشر حواء ” جزء 4″

ونكمل الجزء الرابع مع أم البشر حواء، والتقليد اليهودي يقول إن ابو البشرآدم عليه السلام قد بهر بجمالها، واستقبلها أحر استقبال، مشدوها صائحا بالقول “هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي” وهل يمكن أن تكون غير ذلك، وقد خلقها الله تعالي لتكون ختام عمله في الجنة والتاج الذي يضعه على مفرق الرجل، وان الكلمة بني التي استعملها نبي الله موسى عليه السلام وهو يصف عملية خلقها كلمة غنية في الأصل بالمعاني التي تشير إلى دقة وروعة وقدرة ونشاط الحكمة الإلهية في إبداعها، لم تكن حواء جميلة فحسب بل كانت، فيما قيل أنه آية ونموذجا للجمال، لم تبلغه امرأة أخرى من بناتها بعدها، وذلك لأن جمالها خلق قبل أن تعرفه الخطية ويمسخه الشيطان، وما تبقى لها بعد ذلك منه إن هو إلا مسحة رائعة متكسرة تشهد بعظمة تلك الأصول القوية الأولي.

التي عصف بها السقوط، وهوى بها ما تبعه من أمراض وأوجاع وأحزان ودموع وتعاسة وشقاء وشر وآثم هي المعاول القاسية الهدامة لكل حسن وجمال، ألا ما أفظع الخطية وأبشعها أثرا في خلقة الإنسان وخلقه، فالخطية أعدى أعداء الجمال، وأشدها تنكيلا بروعته، وفتتنه وحسنه، ولن يعود الجمال إلى عرشه الضائع، ومجده السليب، ولن يسترد ما ولي عنه من أنوار أخاذة قديمة، حتى تتحرر الأرض من الآثم، وتغسل من الفساد، وتتطهر من الشر، ويقف ذلك الجمع الهائل الذي أبصره الرائي القديم من كل الأمم والقبائل والشعوب والألسنة أمام العرش، وأمام الخروف، متسربلين بثيابهم البيض، وفي أيديهم سعف النخل، حين ترجع حواء وأبنائها وبناتها المخلصون إلى الفردوس الأبدي المردود، فكانت أم البشر حواء من الناحية البدنية ذات جمال كبير.

على أنها من الناحية العقلية قيل أنها كانت ساذجة قاصرة غريرة ضيقة التفكير محدودة الإدراك، وعلى أن ما فاتها من هذه الناحية قد عوضته في وقدة الشعور وحدة الإحساس والتهاب العاطفة، وقيل أنه كان كل شيء في جنة عدن حسنا، جميلا، ظليلا، ولكن آدم أحس مع ذلك أن قلبه موحش فارغ، وأن شيئا غير يسير من الإحساس الكئيب بالانفراد والعزلة يتمشيء بين ضلوعه، وإن المحبة الكائنة بين الرجل وامرأته هي الخير الوحيد الحقيقي الأبقى في الأرض وأن المحبة الزوجية هي العربون الأمثل الصافي لمحبة السماء، ولقد كانت رسالة أم البشر حواء هي رسالة الأمومة لقد خلقها الله لتكون أما، وليملأ بأبنائها وبناتها الأرض، وقد خلفت حواء قايين، وهابيل، وشيثا، وأبناء، وبنات كثيرين، ولكنها خلقت فيهم ومعهم غريزة من أسمى وأقوى غرائز المرأة إطلاقا

غريزة الأمومة، ولعل حواء وهي تخلع على بنيها الثلاثة أسماءهم، قد كشفت في الحين نفسه عن العناصر الثلاثة لهذه الغريزة المضطرمة في أحشائها، وبين حناياها، ففي قايين نرى الأمومة في ولعها وشوقها، وفي هابيل تبصرها في حزنها وألمها، وأما في شيث ففي انتظارها ورجائها، ودعت حواء ابنها الأول قايين أي اقتناء وهذا الاسم إن دل على شيء فانما يدل على أول ما تحس به الأمومة إزاء الأبناء وهو الولع والشوق والفرح والبهجة بمجيئهم، الولع الذي جعل سارة تدعو ولدها اسحق أو الضحك، فقيل “قد صنع إلى الله ضحكا، كل من يسمع يضحك لي” والذي حدا براحيل أن تقول لزوجها نبي الله يعقوب عليه السلام “هب لي بنين، وإلا فأنا أموت” والذي دفع باليصابات أن تخفي نفسها خمسة أشهر قائلة “هكذا فعل الرب في الأيام التي فيها نظر إليّ لينزع عاري بين الناس”

وأما عن ابنها الثاني فكان هابيل أي بمعني نفحة أو بطل وهو يشير إلى الناحية الحزينة من الأمومة التي تبكي أبناءها الحزانى أو المتألمين أو الصرعى، كما بكت حواء ابنها هابيل، الأمومة التي تدفع أقسى الضرائب من الدم والدموع والألم في سبيل أولادها، كما دفعت هاجر المصرية التي طرحت ابنها في ظلال الشجر وجلست بعيدا عنه تبكي لأنها لا تستطيع أن تراه يموت وكما هبت راحيل منتفضة من قبرها تصيح في وحي النبي مذعورة على أبنائها القتلي “صوت سمع في الرامة، نوح بكاء مر، راحيل تبكي على أولادها، وتأبى أن تتعزى عن أولادها لأنهم ليسوا بموجودين” وكا قيل عن الأم العظيمة النموذجية “وأنت أيضا يجوز في نفسك سيف” قد ينسى الشاب في الحرب أو الغربة أو الفشل أو المرض أو الجوع أن يبكى ولكن أمه هيهات ومن المحال أن تنسي.