أم البشر حواء ” جزء 5″

الدكرورى يكتب عن أم البشر حواء ” جزء 5″

بقلم / محمــــد الدكـــــرورى

أم البشر حواء ” جزء 5″

ونكمل الجزء الخامس مع أم البشر حواء، وأما عن ابنها الثالث فهو شيث أي بمعني عوض وهو الناحية الانتظارية أو الرجائية في الأمومة، وماذا تنتظر لابنها ومنه؟ تنتظر المجد والحب، أنها وهي تهدهد سريره الصغير تحلم له أعز الأحلام وأروعها، تريده لو استطاعت ملكا جليلا، حتى ولو بنى عرشه ومجده على أنقاضها كما كانت تتمنى أم نيرون لولدها، وماذا تنتظر منه؟ أنها تريد فقط رجع محبتها، وصدى حنانها، تريده أن يبتسم لها ويقدر عطفها ألا ليتنا مثل ليفنجستون الذي وقف أمام قبر أبيه وأمه يبكى وهو يضع الرخامة المنقوشة المكتوب عليها “تحية ابن إلى والديه العظيمين الفقيرين” ولما طلب منه أن ينزع كلمة فقيرين، أجاب كلا؟ فلولا فقرهما لما استطعت أن أدرك تماما عظمة نبلهما وحياتهما الباذلة التي خلقتني، ودفعتني من بين أنياب الحرمان ومرارته.

وإن أم البشر حواء هذه هي العطية العظيمة لأبو البشر آدم عليه السلام، فقد جاءته في شبه مفاجأة ومباغته، فأوقع الله عز وجل سباتا على آدم فنام والكلمة سبات تعني في أصلها نوما ثقيلا، فكان آدم غائبا عن نفسه ووعيه وإدراكه حين جاءته نفسه الثانية، كان نصيبه منها نصيب المستلم المتقبل، وقام الله بالتدبير والتكوين والإبداع والخلق، وهذا هو أساس كل زواج سليم، وهو الزواج الذي يستسلم الإنسان فيه للإرادة الإلهية الحلوة، والزواج الذي ينام فيه الرجل نوم الرضيع الهانيء، والزواج الذي يغضي فيه عن كل الأغراض الأنانية الضعيفة، فإن الله عز وجل خلقها ضلعا تطوق قلبه ليحبها تحت إبطه ليحميها، ولم يخلقها من قدمه لئلا يدوسها، أو من رأسه لئلا تسيطر عليه ولعل الاضطراب الذي عانته البشرية قديما وحديثا يرجع إلى رغبة الرجل أو المرأة.

في الشذوذ عن هذا الوضع، والخروج عليه، فاذا نسى الرجل أن المرأة نظيره، وأنه رأس لها وليس رئيسا عليها إذن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في عبادة الله عز وجل، وأن الرأس مهمته في الجسد القيادة فقط وليس السيطرة والاستبداد، اختل كل تعاون سليم محمود بينهما، واذا نسيت المرأة أنها لم تخلق لذاتها بل خلقت من أجل الرجل لتصبح مجده، ورامت أن تستقل عنه وتناهضه لضاعت وأضاعته، وهذه خلاصة حكمة الرسول العظيم صلي الله عليه وسلم، الحكمة التي ما تزال اختبارات الأجيال البشرية تضفي عليها كل يوم وضوحا وتألقا ونورا، وكما أن المجرب الحقيقي في خروج آدم وحواء عليهما السلام من الجنة هو الشيطان علية لعنة الله وأنه سعى إلى المرأة عن طريق الحية، وفي ثوبها، لأن هذا المخلوق أحيل الحيوانات وأصلحها.

في الإغراء والسقوط، فهو الحيوان الوحيد الذي يؤثر على ضحاياه بتأثير رائع من عينيه، كما أنه يسعى إليها في هدوء ودون جلبة، واذ يدنو منها يقترب إليها في بطء وعلى غرة، وهي لا تعرف من أية جهة يباغتها فهو يدور حولها ويلف كأنما يسعى إليها من كل جانب وهو يصرعها بأية ناحية من جسمه لأنه لا يملك كغيره من الحيوانات سلاحا خاصا كقرن أو مخلب أو أنياب وهو يسكن في جحره عدة شهور، ولكنه ما أن يخرج حتي يضحى أكثر من القرد تسلقا، وأقدر من السمكة سباحة، وأسرع من الغزال عدوا، وأشد من النمر انقضاضا، ولكن كيف أسقطت الحية حواء؟ وهو أنها همست في أذنها بكلمات مداهنة معسولة عن شجرة جميلة وثمرة حلوة وإدراك واتساع كالله في معرفة الخير والشر، فرأت المرأة أن الشجرة جيدة للأكل وأنها بهجة للعيون.

وأن الشجرة شهية للنظر فأخذت من ثمرها وأكلت وأعطت آدم أيضا معها فأكل فانفتحت أعينهما وعلما أنهما عريانان فخاطا أوراق تين وصنعا لأنفسهما مآزر، لأن كل واحد يجرب اذا انجذب وانخدع من شهوته ثم الشهوة اذا حبلت تلد خطية والخطية اذا كملت تنتج موتا، بذا قال نبي الله يعقوب وقد سار وراءه، وقيل أنه كان خطأ أم البشر حواء أنها أصاخت الأذن، فنظرت فاشتهت فمدت يدها وأثمت، وكان يجمل بها أن تفزع وتهرب، وكان عقابها أشد من عقاب آدم لا لأنها أسبق في التعدي فحسب، بل لأنها قادته إليه، وإنه لم يكن العقاب هو المرحلة النهائية الأخيرة في قصة أم البشر حواء، ووراءها تلك المحبة السرمدية العلية، التي سبقت فأعدت خلاصها، وخلاص بنيها قبل تأسيس العالم، في نسلها العظيم الذي يسحق رأس الحية فيما بعد.