الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي
مروان بن الحكم “جزء 2”
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الخليفة الأموي مروان بن الحكم
“جزء 2”
ونكمل الجزء الثاني مع الخليفة
الأموي مروان بن الحكم، وكان
جوادا كريما فقد روى المدائني عن
إبراهيم بن محمد عن جعفر بن
محمد أن مروان أسلف علي بن
الحسين رضي الله عنهما، حين رجع
إلى المدينة بعد مقتل الحسين بن
على ستة آلاف دينار، فلما حضرته
الوفاة أوصى إلى ابنه عبد الملك أن
لا يسترجع من علي بن الحسين
شيئا، فبعث إليه عبد الملك بذلك
فامتنع من قبولها، فألح عليه فقبلها،
وقال الشافعي إن الحسن والحسين
كان يصليان خلف مروان ولا
يعيدانها، ويعتدان بها، وكان مروان
حكيما ذا عقل وكياسة، ومما يدل
على حكمته وعقله أنه كان أثناء
ولايته على المدينة إذا وقعت
مشكلة شديدة جمع من عنده من
الصحابة فاستشارهم فيها، وهو
الذي جمع الصيعان فأخذ بأعدلها
فنسب إليه الصاع.
فقيل صاع مروان، وكان مروان قد
سطع نجمه في عهد ابن عمه
الخليفة عثمان بن عفان، رضى الله
عنه، الذي قربه إليه، وجعله مساعدا
ومشيرا له، وكان كاتبه ومديره، فلما
قتل عثمان كان مروان أول من
طالب بدمه، ثم بايع الإمام علي بن
أبي طالب، فلما حدثت واقعة الجمل
اعتزل الحياة السياسية، فلما آلت
الخلافة إلى معاوية بن أبي سفيان
تولي إمرة المدينة وموسم الحج واستمر كذلك في أوائل عهد يزيد بن معاوية حتى أخرج من المدينة إلى دمشق بعد أن رفض أهل المدينة مبايعة يزيد، وكان أقوى المرشحين لاعتلاء عرش بني أمية، بعد وفاة معاوية بن يزيد وهو معاوية الثاني، وقال عنه أبو بكر بن العربي مروان رجل عدل وهو من كبار الأمة عند الصحابة والتابعين وفقهاء المسلمين.
أما الصحابة فإن سهل بن سعد الساعدي روى عنه، وأما التابعون فأصحابه في السن، وإن كان جازهم باسم الصحبة في أحد القولين، وأما فقهاء الأمصار فكلهم على تعظيمه، واعتبار خلافته، والتلفت إلى فتواه، والانقياد إلى روايته، وأما السفهاء من المؤرخين والأدباء فيقولون على أقدارهم، وبعد وفاة معاوية بن يزيد اضطرب أمر بني أمية اضطرابا شديدا، وكادت دولتهم أن تذهب لولا أن تداركوا أمرهم فيما بينهم، وعندئذ احتفظوا بدولتهم وهو ما جعل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما يعلن تنصيب نفسه خليفة في مكة، وبدأت البيعة تأتيه من سائر الأقاليم حتى من بلاد الشام ذاتها مركز ثقل الأمويين، فقد انقسم أهلها إلى فريقين، فريق مال إلى ابن الزبير وهم القيسيون بزعامة الضحاك بن قاسم
والفريق الآخر ظل على ولائه للأمويين وهم اليمنيون في الشام بزعامة حسان بن مالك الكلبي، وكان مروان وبنوه في المدينة عند وفاة يزيد بن معاوية فأخرجهم منها عبد الله بن الزبير، فرحلوا إلى الشام، فلما وصلوها وجدوا الأمر مضطربا والانقسامات على أشدها، مما جعل مروان يفكر في العودة إلى الحجاز ومبايعة ابن الزبير، وبينما مروان يدير هذه الفكرة في رأسه، وصل إلى الشام عدد من رجال بني أمية البارزين أمثال الحصين بن نمير السكوني، الذي كان يحاصر الزبير في مكة، وعبيد الله بن زياد الذي كان في البصرة عند وفاة يزيد فاضطرب عليه الأمر، وعندما عجز عن السيطرة عليه هرب متخفيا إلى الشام، وكان وصول هذين وأمثالهما إلى الشام نقطة تحول في تاريخ الدولة الأموية.
فلو تأخر وصولهما وذهب مروان لمبايعة ابن الزبير، لكان في ذلك نهاية الدولة الأموية، ولكن هؤلاء الرجال عملوا على إنقاذ الموقف واستحثوا عزيمة الأمويين واستثاروا حميتهم وبخاصة مروان الذي قال له عبيد الله بن زياد حينما علم بزعمه على مبايعة ابن الزبير، قد استحييت لك من ذلك، أنت كبير قريش وسيدها تمضي إلى أبي خبيب ويقصد ابن الزبير، فتبايعه، فقال مروان ما فات شيء بعد، ومنذ تلك اللحظة تطلع مروان إلى الخلافة، ولكن الأمر لم يكن سهلا ميسورا فقد واجهته عدة صعوبات، فقد كان القيسيون بالشام قد بايعوا لابن الزبير، كما أن اليمنيين وهم أنصار بني أمية، كانوا منقسمين إلى فريقين، فريق يميل إلى بيعة خالد بن يزيد بن معاوية، وكان هذا الفريق يتزعمه حسان بن مالك بن مجدل الكلبي.