الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 5”
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 5”
ونكمل الجزء الخامس مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، فقد كان يعلم مقدار كراهية سليمان بن عبد الملك للحجاج، فلما ولي الخلافة خشي قتيبة من انتقامه، لأنه وقف إلى جانب الوليد بن عبد الملك حين أراد أن يخلع أخاه سليمان من ولاية العهد ويجعلها لابنه، لكن حركته فشلت وانتهت بقتله سنة ستة وتسعين من الهجره، وقيل أنه لم يتمرد ولكن وقع ضحية مؤامرة حاكها بعض الطامعين بالولاية، وقد توج سليمان بن عبد الملك أعماله بما يدل على حرصه على مصلحة المسلمين، فاختار عمر بن عبد العزيز قبل موته ليكون وليا للعهد ويخلفه من بعده، فلما ولي عمر بن عبد العزيز الخلافة أصدر أوامره بسحب القوات الإسلامية المحاصرة للقسطنطينية والعودة إلى الشام، والذى كان فى أثناء الحصار توفي الخليفة سلميان بن عبد الملك وهو مقيم بمرج دابق يتابع الأخبار عن الجيش.
وقد توفى في يوم الجمعة الموافق العاشر من شهر من صفر سنة تسعة وتسعين من الهجره، ويقول ابن كثير في البداية والنهاية، أن سليمان بن عبد الملك قد تعهد ألا يرجع إلى دمشق حتى تفتح أو يموت، فمات هناك فحصل له بهذه النية أجر الرباط في سبيل الله، ونعود إلى ولاية العهد من بعد الوليد بن عبد الملك، وقد قال ابن الأثير الجزري فلما مات عبد العزيز قال أهل الشام رد على أمير المؤمنين أمره، فلما أتى خبر موته إلى عبد الملك أمر الناس بالبيعة لابنيه الوليد وسليمان فبايعوا وكتب بالبيعة لهما إلى البلدان، وكان على المدينة هشام بن إسماعيل فدعا الناس إلى البيعة فأجابوا إلا سعيد بن المسيب فإنه أبى وقال لا أبايع وعبد الملك حي فضربه هشام ضربا مبرحا وطاف به وهو في تبان شعر حتى بلغ رأس الثنية التي يقتلون ويصلبون عندها ثم ردوه وحبسوه.
ولما حضرت عبد الملك بن مروان الوفاة جمع ولده، فقال أوصيكم بتقوى الله تعالى فإنها عصمة باقية وجنة واقية، وهي أحصن كهف وأزين حلية، وليعطف الكبير منكم على الصغير، وليعرف الصغير منكم حق الكبير، مع سلامة الصدور، والأخذ بجميل الأمور، وإياكم والفرقة والخلاف فبهما هلك الأولون، وذل ذوو العزة المعظمون، انظروا مسلمة فاصدروا عن رأيه فإنه نابكم الذي عنه تفترون ومجنكم الذي به تستجنون، وأكرموا الحجاج فإنه وطأ لكم المنابر وأثبت لكم الملك، وكونوا بني أم بررة وإلا دبت بينكم العقارب، كونوا في الحرب أحرارا وللمعروف منارا، واحلولوا في مرارة، ولينوا في شدة، وضعوا الذخائر عند ذوي الأحساب والألباب، فإنه أصون لأحسابهم وأشكر لما يسدى إليهم.
ثم أقبل على ابنه الوليد فقال لا ألفينك إذا مت تجلس تعصر عينيك وتحن حنين الأمة، ولكن شمر وائتزر والبس جلدة نمر ودلني في حفرتي وخلني وشأني وعليك وشأنك، ثم ادع الناس إلى البيعة فمن قال هكذا فقل بالسيف هكذا، ثم أرسل إلى عبد الله بن يزيد بن معاوية وخالد بن أسيد، فقال هل تدريان لم بعثت إليكما، قالا نعم لترينا أثر عافية الله تعالى إياك، قال لا، ولكن قد حضر من الأمر ما تريان، فهل في أنفسكما من بيعة الوليد شيء، فقالا لا، والله ما نرى أحدا أحق بها منه بعدك يا أمير المؤمنين، قال أولى لكما، أما والله ولو غير ذلك قلتما لضربت الذي فيه أعينكما، وتوفي عبد الملك بن مروان بن الحكم في شهر شوال سنة سته وثمانين من الهجره، وقد ظل سليمان واليا على فلسطين طوال فترة حكم الوليد بن عبد الملك.
وقد اتخذ الفقيه رجاء بن حيوة، الذي أشرف على بناء قبة الصخرة في القدس في عهد عبد الملك، مستشارا له وكبيرا لمساعديه، وقد قام سليمان بتعزيز العلاقات مع خصوم والي العراق حينئذ الحجاج بن يوسف، الذي استاء من نفوذه الكبير في عهد الوليد، وفي عام تسعه وثمانين من الهجره، قد لجأ إليه يزيد بن المهلب، الذي طرده الحجاج من ولاية خراسان، وعذبه، واستأصل موجوده، وسجنه، فاحتال يزيد بحسن تلطفه، وأرغب السجان واستماله، وهرب هو والسجان، وقصد الشام إلى سليمان بن عبد الملك، فلما وصل يزيد بن الملهب إلى سليمان بن عبد الملك أكرمه وأحسن إليه وأقام عنده، فكتب الحجاج إلى الوليد يعلمه أن يزيد هرب من السجن، وأنه عند سليمان، فكتب الوليد إلى سليمان بذلك.