الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 6”
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 6”
ونكمل الجزء السادس مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، فكتب سليمان يا أمير المؤمنين، إني أجرت يزيد بن المهلب، لأنه مع أبيه وإخوته أحباء لنا من عهد أبينا، ولم أجر عدوا لأمير المؤمنين، وقد كان الحجاج عذبه وغرمه دراهم كثيرة ظلما، ثم طلب منه بعدها مثل ما طلب أولا، فإن رأى أمير المؤمنين أن لا يخزيني في ضيفي فليفعل، فإنه أهل الفضل والكرم، فكتب إليه الوليد إنه لا بد من إرسال يزيد مقيدا مغلولا، فلما ورد ذلك الكتاب على سليمان أحضر ولده أيوب فقيده، ثم دعا بيزيد بن المهلب وقيده، ثم شد قيد هذا إلى قيد هذا بسلسلة، وغلهما جميعا، وحملهما إلى أخيه الوليد، وكتب إليه أما بعد، يا أمير المؤمنين، فقد وجهت إليك يزيد وابن أخيك أيوب بن سليمان، وقد هممت أن أكون ثالثهما، فإن هممت يا أمير المؤمنين بقتل يزيد فبالله عليك فابدأ بقتل أيوب.
ثم اجعل يزيدا ثانيا، واجعلني إن شئت ثالثا، والسلام، فلما دخل يزيد بن المهلب، وأيوب بن سليمان على الوليد في سلسلة واحدة، أطرق الوليد، استحياء، وقال لقد أسأنا إلى أبي أيوب، إذ بلغنا به هذا المبلغ، فأخذ يزيد يتكلم ويحتج لنفسه، فقال له الوليد ما يحتاج إلى الكلام، قد قبلنا عذرك، وعلمنا بحكم الحجاج، ثم استحضر حدادا فأزال عنهما الحديد، وأحسن إليهما، ووصل أيوب ابن أخيه بثلاثين ألف درهم، ووصل يزيد بن المهلب بعشرين ألف درهم، وردهما إلى سليمان، وكتب كتابا للحجاج مضمونه لا سبيل لك على يزيد بن المهلب، فإياك أن تعاودني فيه بعد اليوم، فسار يزيد بن المهلب إلى سليمان، وأقام عنده في أعلى المراتب وأفضل المنازل، وكان لا تأتي يزيد بن المهلب هدية إلا بعث بها إلى سليمان، ولا تأتي سليمان هدية إلا بعثها ليزيد.
وظل يزيد مع سليمان لمدة تسعة أشهر حتى وفاة الحجاج بن يوسف الثقفى سنة خمسه وتسعين من الهجره، وقد أسس سليمان مدينة الرملة كمقر لإدارته، وقد بقيت الرملة عاصمة لولاية فلسطين حتى العهد الفاطمي، حيث استبدلها سليمان بمدينة اللد، وكان موقع مدينة اللد مفيدا من الناحية اللوجستية والاقتصادية، ولكن الخليفه سليمان بن عبد الملك، أسس عاصمته خارج المدينة، وكان من المحتمل أن هذا يرجع إلى صغر مساحة اللد، وعدم مقدرته على توسيعها، خاصة أن أغلب أراضي اللد تعود ملكيتها إلى أهلها، ولا يستطيع سليمان مصادرتها لتوسيع المدينة، فلجأ إلى نقل عاصمته الإدارية، وبناء مدينة جديدة، واللد هى من أكبر وأقدم مدن فلسطين التاريخية، وهى تقع اليوم في اللواء الأوسط الإسرائيلي شمال غرب القدس، وقد أسسها الكنعانيون في الألف الخامس قبل الميلاد.
وتم ذكرها في العديد من المصادر التاريخية، حيث تقع اللد على مسافة ستة عشر كيلو متر، جنوب شرق مدينة يافا وخمسة كيلو متر شمال شرق الرملة، وفي الماضي سيطرت المدينة على الطريق الرئيسية وعلى خط سكك الحديد يافا، والقدس، وقيل أن الخليفه سليمان بن عبد الملك، سعى لتخليد ذكراه بعمل كبير، على غرار سمعة دائمة كبناء عظيم على غرار والده الذي بنى قبة الصخرة، والوليد الذي بنى الجامع الأموي في دمشق، وسميت الرملة نسبة إلى الرمال التي كانت تحيطها، ونقل القلقشندي أن اسم الرملة نسبة إلى امرأة اسمها رملة، وجدها سليمان في بيت من الشعر في هذا المكان، ولما رأت هذه المرأة سليمان أكرمته دون أن تعرفه، وقد تطورت الرملة وأصبحت مركزا اقتصاديا وموطنا للعديد من العلماء المسلمين، واستمرت كعاصمة إدارية لولاية فلسطين حتى القرن الحادي عشر.
وكان المبنى الأول الذي شيده سليمان في الرملة هو مقر إقامته، الذي يُعد الديوان أيضا، وقد أمر بتشييد مسجد جامع في وسط المدينة الجديدة، وقد عرف فيما بعد بالمسجد الأبيض، والذي اكتمل بنائه في عهد الخليفة عمر بن عبد العزيز ، حيث لم يبقي اليوم من المسجد سوى المئذنة الكبيرة، لذا تطلق عليه السلطات الإسرائيلية اسم البرج الأبيض، بدل المسجد الأبيض، وقد تطورت الرملة اقتصاديا كمدينة تعج بأسواق للمنتجات الزراعية، ومركزا للصباغة والنسيج والفخار، وكما كانت موطنا لنسبة كبيرة من علماء الدين المسلمين، وقد بنى سليمان قناة في مدينة تسمى البردى، والتي تنقل المياه إلى الرملة من تل الجزر، على بعد عشره كيلومتر، إلى الجنوب الشرقي، وحلت الرملة محل اللد كمركز تجاري لفلسطين، وانتقل العديد من سكان اللد المسيحيين والسامريين واليهود إلى المدينة الجديدة.