الدكرورى يكتب عن الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 8”
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك “جزء 8”
ونكمل الجزء الثامن مع الخليفة الأموي سليمان بن عبد الملك، وقد استمر سليمان في الحكم من فلسطين، حيث كان محبوبا كثيرا، وكان له دار كبيرة مكان طهارة جيرون وأخرى أنشأها للخلافة بدرب محرز، وعمل لها قبة شاهقة صفراء، وكان أسلوب حكم سليمان مختلف عن أسلافه، فمال إلى الموادعة والأخد برأي أهل العلم، والتمسك بتعاليم الإسلام، فكتب إلى عماله إن الصلاة قد أميتت فأحيوها بوقتها، كما انتهج منهج الشورى، فقد قال في خطبته قد عزلت كل أمير كرهته رعيته، ووليت أهل كل بلد من أجمع عليه خيارهم، واتفقت عليه كلمتهم، مما يعني أنه عزل العمال والولاة الذين يكرههم الناس، وولى مكانهم من رغب الناس فيهم، وقد قيل عنه بأنه من خيار بني أمية، وكان سليمان لين الجانب، لا يعجل إلى سفك الدماء.
ولا يستنكف عن مشورة النصحاء، وقيل أنه يرجع إلى دين وخير ومحبة للحق وأهله، وإتباع القرآن والسنة وإظهار الشرائع الإسلامية رحمه الله، فقد كان سليمان بن عبد الملك ورعا تقيا، ويتضح ذلك من خطبه، فلا تكاد تخلو خطبة من خطبه من حث الناس على التقوى والخوف من الله ومدارسة القرآن الكريم، وتتضح هذه السيرة الطيبة من هذه الخطبة، فعن جابر بن عون الأسدي قال أول ما تكلم به سليمان حين ولي الخلافة أن قال الحمد لله الذي ما شاء صنع، وما شاء رفع، وما شاء وضع، ومن شاء أعطى، ومن شاء منع، إن الدنيا دار غرور، يا عباد الله اتخذوا كتاب الله إماما، وارضوا به حكما واجعلوه لكم قائدا، فإنه ناسخ لما قبله، ولن ينسخه كتاب بعده.
كما اتخذ سليمان بن عبد الملك بطانة من صلحاء الرجال أمثال عمر بن عبد العزيز ورجاء بن حيوة وغيرهما، وقد أثر ذلك في سليمان بن عبد الملك تأثيرا كبيرا فقد كان عمر بن عبد العزيز دائم التذكير بمسئوليته نحو رعيته فيروي أن سليمان بن عبد الملك حج بالناس سنة سبعة وتسعين من الهجره، وهو خليفة فلما رأى الناس بالموسم قال لعمر بن عبد العزيز ألا ترى هذا الخلق الذي لا يحصي عددهم إلا الله، ولا يسع رزقهم غيره، فقال يا أمير المؤمنين هؤلاء رعيتك اليوم، وهم غدا خصماؤك عند الله، فبكى سليمان بكاء شديدا ثم قال بالله أستعين، وكان عمر بن عبد العزيز ذات يوم في سفر مصاحبا سليمان بن عبد الملك، فأصابهم السماء برعد وبرق وظلمة وريح شديدة حتى فزعوا لذلك.
وجعل عمر بن عبد العزيز يضحك، فقال له سليمان، ما أضحكك يا عمر؟ أما ترى ما نحن فيه؟ فقال له يا أمير المؤمنين هذه آثار رحمته فيها شدائد ما ترى، فكيف بآثار سخطه وغضبه؟ وكان محمد بن سيرين يترحم على سليمان بن عبد الملك، ويقول افتتح خلافته بخير وختمها بخير، فقد افتتحها بإجابة الصلاة لمواقيتها، وختمها باستخلافه عمر بن عبد العزيز، ولقد ثارت بعض الشبهات حول الخليفه سليمان عبد الملك، وكان منها عزل ولاة الحجاج بن يوسف والتنكيل بهم، انتقاما منهم ومن الحجاج لا لشيء إلا لأن الحجاج كان قد أيد أخاه الخليفة الوليد بن عبد الملك عندما أراد أن يعزله من ولاية العهد، وأن يولي ابنه عبد العزيز، وهذه نظرة سطحية للأمور وبعيدة عن الواقع تماما.
فالأمر لم يكن أمر عواطف أو انتقام شخصي، وإنما هي سياسة عامة للدولة رسمها سليمان بالتعاون والتشاور مع كبار مستشاريه فأي حاكم مكان سليمان كان لا بد أن يغير في الأسلوب والمناخ الذي أشاعه الحجاج بن يوسف، وعماله من قسوة وإرهاب بين الرعية أحيانا، وإذا كان للحجاج مبرراته في انتهاج أسلوبه القاسي، فقد تغيرت الظروف التي ألجأته إلى القسوة، وشمل الهدوء والاستقرار أرجاء الدولة الإسلامية منذ أواخر عهد عبد الملك، فكان من الحكمة أن يتغير أسلوب الحجاج، وأن يستجيب الخليفة لتلك الرغبة العارمة لدى غالبية الناس، ولعل هذا هو السر في رضاء الناس عن سليمان وثنائهم عليه، ويقول الطبري كان الناس قد استبشروا بخلافة سليمان، وكانوا يقولون سليمان مفتاح الخير.