الدكرورى يكتب عن إبن السوداء عبد الله بن سبأ ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء السابع مع إبن السوداء عبد الله بن سبأ، فمثل هذه الأزمات في رأيهم تكون نتيجة عوامل كثيرة سياسية واقتصادية واجتماعية قد يكون ابن سبأ بما زعم عنه من تأثير عقائدي أحدها، لكنه لا يستطيع أن يختصرها جميعا، ولكن الذي اتفق عليه من جميع المؤرخين أن ابن سبأ أصله يهودي وقد أسلم زمن عثمان بن عفان، وأخذ يتنقل في بلاد المسلمين، فبدأ بالحجاز ثم البصرة، وكان ذلك سنة ثلاثة وثلاثين من الهجرة، ثم الكوفة، ثم أتى الشام ثم مصر سنة أربعه وثلاثين من الهجرة، واستقر بها، ووضع عقيدتي الوصية والرجعة، وكوّن له في مصر أنصارا واستمر في مراسلة أتباعه في الكوفة والبصرة، وفي النهاية نجح في تجميع جميع الساخطين على عثمان بن عفان فتجمعوا في المدينة وقاموا بقتل عثمان.
وقد لعب عبد الله بن سبأ دورا هاما في بدء معركة الجمل، وإفشال المفاوضات بين الإمام علي بن أبي طالب وبين طلحة والزبير بن العوام، كما أنه أول من أظهر الغلو وادعى الألوهية للإمام علي، فقام علي بإحراق بعض أتباعه، ثم قام بنفي ابن سبأ إلى المدائن، وبعد وفاة الإمام علي، رفض ابن سبأ الاعتراف بذلك، وادعى غيبته بعد وفاته، ويرى بعض علماء السنة أن ابن سبأ يهودي دخل الإسلام نفاقا ليكيد بالإسلام وأهله، ثم أخذ يتنقل بين البلدان الإسلامية مدعيا أن علي بن أبي طالب أحق بالخلافة من عثمان بن عفان، وبالفعل أثار الشبهات، وجمع من حوله الأنصار وزحفوا من البصرة والكوفة ومصر إلى المدينة المنورة، ولكن علي تصدى لهم وأوضح أن أي اعتداء على الخليفة إنما هو إضعاف للإسلام وتفريق للمسلمين.
فأقنع المتمردين وقفلوا راجعين، وحينها أدرك ابن سبأ أنه على وشك الرجوع خائبا وأن الفرصة أوشكت أن تضيع، لذلك دبر مؤامرة جعلت المتمردين يرجعون ويحيطون ببيت عثمان بن عفان ويحاصروه، ثم تسلق بعضهم الدار، وقتلوا عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن وكان ذلك سنة خمسه وثلاثين من الهجرة وبمقتل عثمان بن عفان كان ابن سبأ قد فتح بابا لفتن أخرى طال أمدها بين المسلمين، ومن المتوقع أن تكون هذه الفتنة هي التي عناها النبي صلى الله عليه وسلم، حين بشر بها عثمان بن عفان بالجنة على بلوى تصيبه، وأما عن السبائية أتباع عبد الله بن سبأ الذي غلا في الانتصار لعلي بن أبى طالب، وزعم أنه كان نبيا ثم غلا فزعم أنه الله ودعا إلى ذلك قوما من أهل الكوفة فاتصل خبرهم بعلي فأمر بإحراق قوم منهم.
ثم خاف من إحراق الباقين، أن ينتقض عليه قوم فنفى ابن سبأ للمدائن، فلما قتل الإمام علي زعم ابن سبأ أنه ليس المقتول عليا وإنما هو شيطان صور على صورته وهذه الطائفة تزعم أن المهدي المنتظر إنما هو علي بن أبى طالب، وكان ابن السوداء في الأصل يهوديا من أهل الحيرة فأظهر الإسلام وأراد أن يكون له عند أهل الكوفة سوق ورياسة، فذكر لهم أنه وجد في التوراة أن لكل نبي وصيا وأن عليا وصي رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، فلما سمعوا ذلك قالوا لعلي إنه من محبيك فرفع علي قدره وأجلسه تحت درجة منبره ثم بلغه عنه غلوه فيه فهم بقتله فنهاه عبد الله بن عباس فنفاه إلى المدائن، وكانت هذه فتن عظيمه مثلما حدث فى موقعة الجمل عندما عاد الزبير بن العوام إلي معسكره.
وقد صمم علي الانسحاب من المعركة والرجوع إلي المدينة بعدما تذكر نبوءة رسول الله صلي الله عليه وسلم الذي أبلغه منذ مايزيد علي ثلاثين عاما بأنه سيقاتل علي بن أبي طالب وهو له ظالم، وبدأ الزبير يلملم متاعه استعدادا للرحيل إذ دخل عليه ابنه عبدالله فقال له إلي أين يا أبت؟ أجاب سأترك القتال وأعود إلي المدينة، فكأن عبدالله لم يستوعب ماسمعه، فقال ماذا تقول؟ قال الزبير والله لا أقاتل عليا أبدا، فقال له عبدالله ولكنا لم نخرج لقتال علي وإنما خرجنا لدم الخليفة المغدور فهل تجمع الناس للقصاص ثم تتركهم وترحل؟ فأجاب الزبير بإصرار إليك عني فقد أقسمت ألا أقاتل علي وسوف أبر بقسمي، قالها ثم خرج فانطلق عبدالله في أثره محاولا أن يثنيه عن عزمه وصاح به لعلك أخافتك سيوف بني عبدالمطلب.