الدكرورى يكتب عن إبن السوداء عبد الله بن سبأ ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثامن مع إبن السوداء عبد الله بن سبأ، فأجاب الزبير بإصرار إليك عني فقد أقسمت ألا أقاتل علي وسوف أبر بقسمي، قالها ثم خرج فانطلق عبدالله في أثره محاولا أن يثنيه عن عزمه وصاح به لعلك أخافتك سيوف بني عبدالمطلب، وهو يريد أن يستفزه بأنه خشي من قوة علي ابن خاله، غير أن صيحات عبدالله ذهبت هباء فقد كان الزبير عازما علي الرحيل فانطلق ومعه غلام له قاصدا المدينة، وبينما هما يستريحان في الطريق إذ أقبل عليهما فارس فسلم واستأذن أن يرافقهما في الطريق فوافق الزبير غير أن إحساسا غامضا انتابه تجاه الرجل الذي كان يلقاه لأول مرة فأسر بشعوره إلي غلامه قائلا له والله إني لأري الموت في عيني هذا الرجل، ففزع الغلام وقال له إذا اقتله، فقال الزبير كيف أقتله لشعور لدي ليس عليه دليل؟
ماهكذا أمرنا الله تعالى ولاعلمنا رسوله صلى الله عليه وسلم بل نأخذ حذرنا، وبينما هم في الطريق إذ حان وقت الصلاة فوقف الفارس المجهول وأذن للصلاة فنزل الزبير وغلامه واستعدوا جميعا لأداء الصلاة وتأخر الفارس والغلام للصلاة خلف حواري الرسول صلى الله عليه وسلم، فما إن كبّر تكبيرة الإحرام حتي طعنه الفارس بخنجر كان يخفيه في ملابسه ثم انهال عليه طعنا بالسيف حتي أجهز عليه واستلب سيفه ودرعه وعاد من حيث أتي تاركا الغلام مذهولا يرتجف ثم قام بتغسيله ودفنه في مكان غير معلوم من الصحراء بين البصرة والمدينة، فكان الفارس المجهول هو عمرو بن جرموز من شيعة الإمام علي بن أبى طالب وكان قد سمع أن الزبير انسحب من المعركة فتبعه ليقتله وهو يعتقد أن هذا سوف يسر عليا غير عالم، لجهله.
أن الإسلام يحرم قتل من ينسحب من الحرب ولو كان من غير المسلمين فما بالك بالمسلم ومابالك بصحابي جليل من آل بيت النبوة وهو حواري رسول الله صلي الله عليه وسلم، ومن السابقين إلي الإسلام ومن العشرة المبشرين بالجنة؟ لذا فقد عاد ابن جرموز فرحا إلي علي ليبشره بقتل قائد جيش مكة، فوصل إلي خيمة علي فأعطي الحارس السيف والدرع وقال له، أعط هذا لأمير المؤمنين وبشره أني قد قتلت الزبير، فلما أمسك الإمام علي بسيف الزبير بن العوام، فنظر إليه وبكي وهو يقول لطالما دافع هذا السيف عن وجه رسول الله صلي الله عليه وسلم، ثم التفت إلي من حوله وقال لهم بشروه بالنار فإني سمعت رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول ” بشروا قاتل ابن صفية بالنار”
وفزع ابن جرموز من البشري السوداء وبدا له جرمه مجسدا أمامه فانطلق خائفا وقد علم أن عليا سيعاقبه عقابا شديدا لمخالفته قواعد الإسلام التي تنهي عن قتل المنسحب من المعركة أيا كان لما في ذلك من الغدر المحرم في شرع الله تعالى، فانطلق يعدو محاولا الهرب وبعض الصحابة يتبعونه حتي كاد يقع في أيديهم فشعر باليأس من رحمة الله فأخذ حديدة فضرب بها نفسه منتحرا، فوقف من تتبعوه من الصحابة ينظرون إلي جثته وهم يعتبرون، وقال أحدهم صدق رسول الله صلي الله عليه وسلم ” بشروا قاتل نفسه بالنار ” وهكذا انتهت موقعة الجمل لصالح جيش علي بعد انسحاب طلحة والزبير قائدي جيش الثأر ثم مقتلهما.
وإصابة القائد الثالث عبدالله بن الزبير بجروح قاتلة حيث طعنه الأشتر النخعي أحد قتلة عثمان طعنة فلقت رأسه فخر مضرجا في دمائه ثم حُمل بين الحياة والموت إلي أحد بيوت البصرة مع جرحي المعركة التي أسفرت عن مقتل مايزيد علي ألف من الجيشين أكثرهم من الصحابة والتابعين في فتنة هلل لها أعداء الإسلام ومازالوا يهللون واستغلوها لتزييف الحقائق محاولين تحقيق ما استهدفته السبئية بمؤامرتها لتفجير الإسلام من داخله ولكن الله سبحانه غالب علي أمره، وقد صلي الإمام علي بن أبي طالب علي قتلي الجيشين وأمر بدفنهم ثم وقف باكيا أمام مقابرهم وهو يقول ليتني مت قبل هذا، ولما فرغ قام من فوره متجها إلي الدار التي تقيم فيها أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها بالبصرة.